وهو قول الزهري، وقال «الحسن البصري»: كانت له غديرتان من شعر يطافيهما فسمي ذا القرنين ... وعن علي بن أبي طالب أنه سئل عن ذي القرنين؛ فقال: كان عبدا ناصح الله فناصحه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فأحياه الله، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه الآخر فمات، فسمي ذا القرنين.»
60
وقد أجمل «الثعلبي» و«الجزائري» بقية التعلات لهذا اللقب، منها أنه أمسك في رؤياه بقرني الشمس، ومنها أنه كان ذا ضفيرتين عظيمتين، ومنها أنه كان يلبس تاجا ذا قرنين - وهو في رأينا أصح الآراء كما سيتبين لاحقا - ومنها أنه انقرض في وقته قرنان من الزمان، ومع ذلك يصر كلاهما بالإسناد إلى وهب أنه عاش خمسمائة عام!
61
أما «ابن كثير» فيذكر أنه مكث ألفا وستمائة سنة يجوب الأرض ويدعو للإسلام (متجاوزا العمر القياسي للنبي نوح عليه السلام)! ونسب القول لأهل الكتاب، رغم أن كتاب أهل الكتاب لم يذكر «ذا القرنين». ثم لا يعجبه ذلك فيعترض بالقول: «وفي كل هذه المدة نظر.»
62
ثم يورد قول «ابن عساكر» «أنه عاش ستا وثلاثين سنة، أو كان عمره ثنتين وثلاثين سنة ... وكان ملكه ستة عشر سنة.» ويعترض مرة أخرى ويقول: «إن الذي ذكره «ابن عساكر» إنما ينطبق على إسكندر الثاني «المقدوني» وليس الأول «ذو القرنين»، وقد خلط (أي ابن عساكر) في أول الترجمة وآخرها بينهما».
63
ولكن الطريف والذي لا يغيب على فطن، أن من سلكوا «ذا القرنين» ضمن العرب اليمنية، قد استبطن حديثهم زلات تشير إلى يقين داخلي بأمر آخر، فهو وإن كان عند «ابن كثير» من أزد اليمن واسمه عربي قح «مصعب»، فإن هذا من جهة الأب؛ لأن أمه كانت رومية! ثم فلتة تأتي على خجل واستحياء في قوله: «وكان يقال له ابن الفيلسوف لعقله.» (وهل ثمة فيلسوف هنا غير أرسطو؟) أما السهيلي الذي أصر على اسم الصعب واستمات دونه، ووقف يتلكأ عند بيت منسوب للأعشى ورد عند «ابن هشام»، يقول: إن «الصعب ذا القرنين» مات ودفن في «حنو قراقر» بالعراق، فيبدو أن «السهيلي» لم يكن يعلم أن ذلك الموقع بالتحديد كان الموضع الذي قضى فيه «الإسكندر المقدوني» نحبه، وقت كانت العراق وإيران إمبراطورية فارسية مهزومة. أما «ابن تيمية» و«الجزائري» فقد كانا على يقين أن «ذا القرنين» ليس هو القائد اليوناني الأشهر، لكنهما أصرا على منحه ذلك الاسم الغريب على اللسان العربي، «إسكندر»!
عن النبوة والعروبة
ناپیژندل شوی مخ