56
أما الحافظ «ابن كثير»، فيعقب على الإشكال بالقول: إن «المقدوني اليوناني المصري باني الإسكندرية، الذي يؤرخ بأيامه الروم، كان متأخرا عن الأول (يقصد ذا القرنين القرآني) بدهر طويل، وكان هذا قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة، وكان أرسطوطاليس الفيلسوف وزيره ... وإنما نبهنا عليه؛ لأن كثيرا من الناس يعتقدون أنهما واحد، وأن المذكور في القرآن هو الذي كان أرسطوطاليس وزيره، فيقع بدلك خطأ كبير وفساد عريض طويل، فإن الأول كان عبدا مؤمنا صالحا، وأما الثاني فكان مشركا وكان وزيره فيلسوفا (لاحظ استهجانه الشديد أن يكون وزير المؤمن فيلسوفا، مع قرنه بالشرك)، وقد كان بين زمانيهما أزيد من ألفي سنة، فأين هذا من هذا؟ لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور.»
57
إذن؛ اختلف الرواة والمفسرون وأصحاب السير والأخبار في اسم «ذي القرنين» اختلافا كبيرا، ويمكن إجمال توجهاتهم في مذهبين: الأول يذهب إلى أن «ذا القرنين» كان عربيا قحطانيا من اليمن، بينما ذهب آخرون بالمطابقة بين رواية القرآن الكريم وبين أحداث التاريخ، إلى أن «ذا القرنين» هو «الإسكندر بن فيليب» المقدوني اليوناني. وقد اعترض على أصحاب هذا المذهب الثاني عدد من المفسرين، منهم «ابن كثير» و«ابن تيمية» «سنة» و«الجزائري» «شيعي». وكانت الإشكالية تكمن في أن «الإسكندر» كان تلميذا للفيلسوف اليوناني «أرسطوطاليس»؛ مما يوجب القطع بكفر «الإسكندر » لتتلمذه على يد فيلسوف، وعليه فلا يمكن أن يكون هو «ذا القرنين» المذكور في كتاب الله العزيز.
وإذا كان «ابن كثير» قد رأى في الخلط بين «ذي القرنين» وبين «الإسكندر» خطأ كبيرا وفسادا عريضا طويلا ، وأنهما لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور، فإن «ابن تيمية» قدم للإشكال حلا فريدا قال فيه: «إن ذا القرنين كان مقدما على أرسطو بمدة عظيمة، وكان مسلما بخلاف المقدوني، وذي القرنين بلغ أقصى المشرق والمغرب، وبنى سد يأجوج ومأجوج، والمقدوني لم يصل لهذا، ولا وصل إلى السد»!
58
و«ابن تيمية» إذ يقول ذلك «في كتابه: الرد على المنطقيين» يضعنا - ولا مناص - في موقف قسري لمناقشته منطقيا، ولما كانت مناقشته المطولة تخرج عن هدف هذا الموضوع، فسنكتفي بملحوظات ثلاث، وهذا أضعف الإيمان.
والملحوظة الأولى:
هي حول قوله إن «ذا القرنين» كان مسلما، وكان مقدما على «أرسطو» بمدة عظيمة، فإسلام «ذي القرنين» هنا، يعني أنه قد آمن بدعوة «محمد» رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ناپیژندل شوی مخ