17
وكان من طبائع الأمور أن تستقر أمور مصر الداخلية، وتخرج تلملم شتات مستعمراتها الخارجية، وأن تهدأ آشور وتتماسك بابل؛ ليبدأ هؤلاء وأولئك يبسطون حمايتهم على المنطقة، وإن اتفقت الأغراض السياسية لكليهما على أن تظل دولة «سليمان بن داود» على حالها، كحائل بين الدول العظمى، لكن مع تناوب السيادة عليها حسب الفرص المتاحة، ولا يجد بنو عابر من يحرقونه ليكون رائحة سرور للرب، فيحرقون بعضهم بعضا، وتنقسم مملكة سليمان مملكتين:
السامرة في الشمال، ويهوذا في الجنوب، ويكتشف المصريون أن طبع بني عابر اللئيم غلاب، فيجرد الفرعون «شيشنق» عليهم حملة تجردهم مما يستر عوراتهم؛ ليأتي الآشوريون، ومن بعدهم البابليون، ليستاقوهم أسرى وسبايا على شاطئ الفرات، ليعيشوا هناك في الأسر زمانا.
وتتغير الأحوال، وتجد تغيرات عالمية جديدة مع بروز القوة الفارسية الطالعة، فيتحالف المأسورون في بابل مع «قورش» عظيم الفرس، ويسربون له أخبار بابل أولا بأول، حتى يفتحوا له أبوابها، فيرد صنيعهم بأحسن منه، ويعيدهم على دفعات إلى فلسطين، ويسمح لهم بإعادة بناء الهيكل السليماني، ويقيمون دولة خاضعة للفرس، لكن الأحداث تتلاحق على المنطقة، مع قوة الإغريق الصاعدة، فيصطدم «الإسكندر المقدوني» بالفرس، ويحتل فلسطين لتصبح مستعمرة يونانية، ثم تقع بعد موته في قرعة قواده الرومان؛ لتتحول إلى مستعمرة رومانية، ويثور اليهود ثورات متكررة ضد الرومان، فيأتي القائد «طيطس» ليكسب في التاريخ شرف إنهاء الوجود اليهودي هناك، ويدمر الهيكل، ويشتت أصحابه؛ ليبدأ عصر الشتات لليهودي التائه. لكن ليكون ذلك بداية بعث جديد، واحتلال عالمي للعقول وتهويدها، ومع ظهور المسيحية وانتشارها، إضافة إلى فرصة أخرى حانت في مكان بعيد في عمق البوادي ، مع ظهور الدعوة الإسلامية، وهو ما سنلمسه لمسا رفيقا إبان استمرارنا في بحثنا هذا. (5) أسطورة الخلق والتكوين ... وشقها كما تشق الصدفة إلى قسمين
وثبت نصفا جعله سقفا سماء ...
والأسفل ثبته في الأرض، خلق منه الأرض
من ملحمة الخلق البابلية «إينوما إيليش»
تقول قصة الخلق التوراتية إن الرب العبراني، بعد أن قضى على فوضى الماء أو الغمر البدائي الذي كان أول موجودات الوجود، وكان محيطا أزليا مظلما، مثلته التوراة في وحش خرافي عظيم أسمته «لوياثان» هو التنين ذو الرءوس المتعددة، قام الرب بشقه نصفين، صنع منهما السماء والأرض، وقد استغرقت هذه العملية التصنيعية ستة من الأيام، استراح بعدها الإله من عناء عمله على عرشه، في اليوم السابع، وإليك النصوص:
أنت شققت البحر بقوتك، كسرت رءوس التنانين على المياه. أنت رضضت رءوس لوياثان. (مزمور، 74)
استيقظي، البسي قوة يا ذراع الرب ... ألست أنت القاطعة رهب، الطاعنة التنين؟ ألست أنت هي المنشفة البحر، مياه الغمر العظيم. (إشعياء، 51: 9، 10)
ناپیژندل شوی مخ