وعند وصولهم أدخلت إليه أستير، وأغلق عليها الباب، وبقي إيليا وأرميا خارجا يوقدان النار؛ لتدفئة الفتاة، وتجفيف ملابسها، وبعد حين كتب إيليا ورقة وأعطاها إلى أرميا؛ ليوصلها إلى المزرعة، ويعود منها بملابس جافة وفرس للركوب.
فسار أرميا وهو يلتفت إلى الكوخ ليرى هل يبقى إيليا خارجا أم يدخل إليه، وفي طريقه كان يردد في نفسه قوله السابق لإيليا تحت الأرزة: يا لله ما أجملها. حقا لا أعلم لماذا تكون الوثنيات جميلات هكذا.
وكان المطر لا يزال شديدا في الخارج وإيليا لاجئ منه تحت الأرزة؛ لأن أستير لم تدعه ليدخل احتماء منه في الكوخ، وإيليا لا يمكن أن يدخل بدون إذنها. فازداد استياء إيليا لإساءة الفتاة ظنها به، ولكن مع ازدياد استيائه هذا ازداد حبه لها؛ إذ لا شيء يزيد الحب مثل التمنع والجفاء.
ويظهر أن أستير قد شعرت بخشونتها؛ لأنها لم تلبث أن أخرجت رأسها من باب الكوخ، وفتحت الحديث بقولها: هل الفجر بعيد يا كيريه إيليا.
فتنهد إيليا ودنا نحو الكوخ وأجاب: أظن أيتها السيدة أنه لم يبق من الليل سوى أربع ساعات. فقالت: ولمن هذه المزرعة التي سنذهب إليها؟ فأجاب: هي لرجل كريم يدعى الشيخ سليمان، وهو الذي ساءه خبر سجنك في هذا الدير. ثم قص عليها شيئا مما جرى له معه.
فعجبت أستير من ذلك في نفسها؛ لأنها بناء على ما سمعته من قومها، وما رأته من هيجان العامة أمس في طريق بيت لحم لم تكن تعهد أن يوجد بين المسيحيين رجلان كإيليا والشيخ سليمان يساعدان المظلوم وإن كان من غير دينهما ولا يعرفان عنه شيئا.
وهذا وا أسفاه داء من أدواء البشر فإن كل فريق منهم يخص قومه بالفضائل دون سواهم.
ثم دار الحديث بين إيليا والفتاة. وكان أول ما سألها عنه سبب وجودها مع أبيها في بيت لحم في ليلة أمس. فعلم منها إيليا قصتها وهي: كانت أستير من عائلة إسرائيلية مقيمة في مصر، وقد شاع يومئذ في المملكة البيزنطية كلها أن المنجمين قالوا: إن السلطنة ستصير إلى قوم مختونين
1 * فثارت تصورات بعض الإسرائيليين، وانتشر بينهم أن المسيح أي المسيح الذي لا يزال اليهود ينتظرونه قادم لإعادة مملكتهم والاستيلاء على العالم، وفي ذات يوم ورد على أبي أستير كتاب من بلاد العرب مع رسول من أبناء جنسه، فتأهب بعد هذا الكتاب للسفر إلى فلسطين مع زوجته وابنته، وكانت زوجته في نحو السبعين من العمر وهي مقعدة لمرض عضال أصابها، وكانت أقصى أمانيها أن تموت في أورشليم، وتطلق روحها في فضائها بجانب هيكل سليمان، ولذلك فرحت فرحا شديدا بسفرهم إلى فلسطين، وقد شاركتها ابنتها أستير في هذا الفرح؛ لأنهم قالوا لها: إن المسيح سيظهر في ذلك العام في فلسطين. فجاءوا إلى أورشليم متخفين متنكرين؛ لينتظروا المسيح فيها، ويكونوا أول من يستقبله من أبناء إسرائيل، وقد استأجروا في القدس منزلا صغيرا بإزاء الجدار الذي كان المسيحيون يلقون عليه فضلات منازلهم،
2
ناپیژندل شوی مخ