الفصل الرابع
البطريرك صفرونيوس
الذي فتح العرب بيت المقدس في زمنه
وبعد عشر دقائق وصل البطريرك.
وكان جالسا في مركبة خصوصية له تتقدمه المشاعل والمصابيح وشرذمة من الجند وراء المركبة وأمامها، ووراء الجند حاشية من الرهبان يركبون جيادا كريمة، وكان الجميع سكوتا كأن على رءوسهم الطير إلا جماعة الرهبان في المؤخرة فإنهم كانوا يتحدثون همسا؛ إذ من طبعهم أنهم لا يستطيعون السكوت.
ولما ظهرت مركبة البطريرك للجموع تتقدمها الأنوار أخذ الحاضرون يستقبلونه متغنين بهذا النشيد الذي هو نشيد عيد الميلاد: «المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة» وكانوا في أشد حالات الهياج من التحمس الديني، وكان بعضهم سكارى؛ لأن يوم العيد يوم فرح وشراب عند العامة. فقال إيليا حين سماعه ذلك النشيد الجميل: «نعم، السلام في الأرض لقسم من سكان الأرض. أما هذا الشيخ والفتاة فأين السلام منهما الآن».
ولما وصل البطريرك كان النشيد والهتاف متصلين فمد يده وبارك الحاضرين في الجانبين، أي أنه رسم بيده علامة الصليب في الهواء بجهة الحاضرين. ثم وقفت المركبة واستفهم البطريرك عن سبب ذلك الاجتماع والضوضاء، فأبلغه أحد الرهبان السبب. فطلب أن يرى الفتاة فقدموها إليه ووراءها الشيخ وإيليا. فأجال فيها البطريرك نظره بدون اهتمام، ثم أمر بأن تعاد إلى بيت لحم حيث هم ذاهبون وهناك يرى رأيه.
فلما سمع إيليا ذلك رأى أن الخطر قد ازداد شدة. فإن البطريرك إذا دخل في موكبه مع تلك الفتاة إلى بيت لحم في تلك الليلة فإن المتحمسين يقيمون الدنيا ويقعدونها بتحمسهم وتجمهرهم، وإذا عرفوا الحقيقة بعد ذلك فالله يعلم العاقبة. فخطر له أن يجرب تجربة لعله ينجح فيها. فانفرد عن الناس، وكشف رأسه، وانحنى للأرض أمام البطريرك، ثم تناول يده فلثمها، وقال بيونانية سليمة من كل شائبة: هل تسمحون غبطتكم لابنكم المطيع بأن يحدثكم على انفراد؟
وكانت على وجه البطريرك لوائح الضجر واشتغال البال، ومع ذلك أشار بيده إشارة فانزاح الحاضرون عنه وبقي منفردا مع إيليا.
فقال له إيليا: مولاي إن الهياج شديد في بيت لحم كما بلغكم ولا شك، والشعب كاد يفتك بي أنا ابنكم بمجرد الشبهة. فكيف يكون حاله إذا دخلتم بهذه الجماهير مع الفتاة الغريبة وهو لم ينس بعد ما لقيه المسيحيون من إمبراطرة رومة أنصار الآلهة.
ناپیژندل شوی مخ