Unwarranted Attacks on Islamic History
الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي
خپرندوی
دار الصحوة للنشر
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م
ژانرونه
كتبَه بالأردية
دكتور محمد ياسين مظهر صدّيقى
قسم الدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية
عليكَره
الهَجَمَات المُغْرِضَة
على التاريخ الإسْلاَمِى
ترجمة
دكتور سمير عبد الحميد إبراهيم
رابطة الجامعات الإسلامية
1 / 3
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٠٨ هـ = ١٩٨٨ م
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
منذ بدأ الاستدمار الغربى (ولا أقول الاستعمار) يعرف حقيقة القوة الإِسلامية الكامنة، ويعرف أن الحقيقة الإِسلامية لا تقهر بالمواجهة العسكرية أو السياسية أو الفكرية الواضحة ...
منذ هذا الوقت والحملات المغرضة الخفية والظاهرة، والصريحة والماكرة تترى على كل ما يتصل بالإِسلام ...
* إنهم يهاجمون -بالفكر الخبيث لا بالحجة- الإسلام عقيدة وشريعة.
* وإنهم يهاجمون -بالفكر الماكر- الإِسلام حضارةً وتاريخًا.
* وإنهم ليعملون على تشويه كل ما قدمناه للبشرية، مع أنهم -باعترافهم- عالة علينا، قد أخذوا مِنَّا الأخلاق والقيم والعلوم والفنون ... فلم يعرفوا الفروسية، ولا الحمامات، ولا احترام المرأة والثقة بأنها إنسان كالرجل تمامًا، ولا الانضباط، ولا المدارس والجامعات ... لم يعرفوا كل ذلك وغيره إلا من خلالنا، وعندما جلسوا تحت أقدامنا يتعلمون فى قرطبة وغرناطة وبجاية والقيروان وصقلية وبغداد ودمشق والقاهرة ... حتى البابا سلفستر الثانى كانت مفخرته الكبرى أنه تتلمذ على المسلمين فى قرطبة، وتعلم لغتهم ودرس علومهم ...
ومع ذلك -وبحقد وغدر لا مثيل لهما فى التاريخ- ذهبوا يلتهمون كل ما لدينا، ويطورون عقولهم وحياتهم، وفى الوقت نفسه ينكرون أى فضل
1 / 5
لنا ... اللهم إلا عدد قليل منهم؟ برىء -إلى حد ما- من هذه الآفة التى لا تليق بالحضارة ولا الإنسانية!!
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ الذى يمثل موقفًا شخصيا يمكن القول فيه بأنه دفاع عن الذات أمام الإِسلام -حتى ولو بالافتراء على الإسلام- بل تعدى الأمر ذلك إلى محاولة تشويه الإِسلام وحضارته وتاريخه، ليس أمام الأوربيين هذه المرة، بل أمام المسلمين أنفسهم ... وهذه أخبث من الأولى؛ لأنها محاولة تعكير المنابع الإِسلامية، حتى يضل أصحابها عن طريقها، وتتهاوى علاقتهم بها.
وقد ظهرت طبقة من المستشرقين لا عمل لها -على الأقل خلال القرون الثلاثة الأولى لنشأة الظاهرة الاستشراقية- إلا تشويه الحضارة الإِسلامية والتاريخ الإِسلامى، والتركيز على الشخصيات الملحدة والمنافقة والقلقة والشعوبية فى هذا التاريخ ... وفى المقابل محاولة تضخيم خلافات المسلمين مع بعضهم، حتى لكأنهم كانوا ينتظرون منهم أن يكونوا ملائكة، أو قومًا بلا وجهات نظر وآراء.
وقد أخفوا الجوانب التى تغطى معظم المساحة، وهى مساحة الإشراق والعظمة فى تاريخنا الإِسلامى أفرادًا وحكومات وطبقات منسجمة متوازنة متكاملة.
ولم يتورعوا عن محاولة النيل من أعظم شخصية عرفها التاريخ (كما يقول منصفوهم وعلى رأسهم برناردشو ومايكل هارت ولوبون وغيرهم) وهى شخصية الرسول ﷺ، ثم ذهبوا يلتمسون الثغرات -من وجهة نظرهم المريضة- فى شخصيات الصحابة والتابعين والدول الإِسلامية المتلاحقة.
وقد وضح أن الإِنفاق السخىّ الذى تبذله وزارات المستعمرات وإدارات
1 / 6
الاستخبار على كثير من المستشرقين والباحثين، وعلى بعض الجامعات، إنما كان أمرا مخططًا له، وداخلًا فى إطار خطة السيطرة على الشعوب الإِسلامية، وفصمها عن عناصر قوتها وركائز حضارتها، ومحاولة تمييع رؤيتها لأساسيات وجودها.
وهذا الكتاب الذى تقدمه رابطة الجامعات الإِسلامية اليوم للكاتب الهندى المسلم الدكتور محمد ياسين مظهرى (الأستاذ بجامعة عليكَرة الإِسلامية) ليس إلا حلقة فى سلسلة متابعته للحملات المغرضة على تاريخنا الإِسلامى ...
ونحن نتمنى أن يمدّ الكتّاب المسلمون -ومنهم المؤلف- الطرف إلى محاولات طوائف أخرى غير المستشرقين تشويه تاريخنا الإِسلامى، وعلى رأس هؤلاء المشوهين لتاريخنا المتجرئين عليه المفسرين له تفسيرًا خاصًا طائفة القرامطة التى انبعثت لها رءوس فتنة فى عصرنا من جديد، بعد أن كانت الفتنة نائمة (ولعن الله من أيقظها). وأبت هذه الرءوس إلا أن توقظها عن طريق الطعن فى الصحابة والهجوم على تاريخ المسلمين، وادعاء العصمة لغير رسول الله ﷺ وإثارة الفتن فى أمة محمد ﷺ ومن هؤلاء الشيوعيون الذين يؤولون الوقائع وفق تفسيرهم اليسارى الطبقى المادى. ومع كل ذلك نقول مطمئنين: إن هذه الحملات المغرضة ليست بنت اليوم .. بل إنها موجودة منذ ظهر الإِسلام .. فالصراع بين الإِسلام والباطل سنة كونية .. وإن التجربة الحضارية الإِسلامية فى التاريخ لهى أقوى من أن تشوه روعتها بعض الأتربة العابرة، أو بعض الذين يحاولون حجب الشمس بغربالهم الهزيل .. فالحق هو الأقوى دائمًا .. ومن خلف كل الضبابيّات استطاع الإِسلام دومًا أن ينفذ بأشعته، وأن يهدى الذين لديهم بصائر .. أما العميان .. الرافضون -مبدئيًا- للحقيقة .. فلن ينتفعوا بهدى الإِسلام (ولا يزالون مُخْتَلفين إلاَّ من رَحِم ربُّك ولذلك خلقهم) ... ومع هذا الخلاف
1 / 7
المستمر بين كتيبة الحق، وكتائب الباطل .. فالعاقبة -فى نهاية الصراع- للمتقين، (وإنَّ جُنْدَنا لهُمُ الغالبون) .. (ولقد كتبنا فى الزبور من بَعْدِ الذِّكْرِ أن الأرض يَرِثُها عِبادِيَ الصالحون).
صدق الله العظيم
رئيس رابطة الجامعات الإِسلامية
د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي
1 / 8
تمهيد
المؤرخون القدامى: القرن الأول والثانى الهجري
ظل التاريخ الإِسلامى -دون غيره- هدفًا لهجمات مغرضة من بين تواريخ دول العالم، ولا يزال حتى الآن هدفًا لهذه الهجمات المتنوعة التى أخذت أشكالًا مختلفة وفى مقدمتها: العصبيات القبلية، ومصالح الشعوب والجماعات المختلفة ومسلك كل منها، والاختلافات السياسية.
وقد مثلت هذه الأمور بداية تلك الهجمات، ذلك لأن مصادر التاريخ الإِسلامى التى كتبت فى الأمصار العراقية، وبخاصة فى الكوفة والبصرة وبغداد، لم تنج من تعصب المؤلفين ورواة الأخبار الذين لم يبتعد أكثرهم عن العصبية بكافة أنواعها.
ومع أن هناك مؤلفين ورواة أوائل كتبوا فى السيرة، والمغازي وتوافرت الثقة فيهم من أمثال: أبان بن عثمان (المتوفى ١٠١ - ١٠٥ هـ/ ٧١٩ - ٧٢٤ م)، وعروة بن الزبير (المتوفى ٩٤ هـ/ ٧١٢ م)، وعبد الله بن أبى بكر بن عمرو بن حزم (المتوفى ١٣٠ هـ/ ٧٤٧ م)، وعاصم بن عمر ابن قتادة (المتوفى سنة ١١٩ هـ/ ٧٣٦ م)، وابن شهاب الزهري (المتوفى سنة ١٢٤ هـ/ ٧٤١ م)، وموسى بن عقبة (المتوفى ١٤١ هـ/ ٧٥٩ م)، ومعمر بن راشد (المتوفى ١٥٤ هـ/ ٧٦٢ م)، وغيرهم من الثقات الذين يعتد بمؤلفاتهم، لكن هناك أيضًا من هم من أمثال شرحبيل بن سعد (المتوفى ١٣٣ هـ/ ٧٤٠ م)، ووهب بن منبه (المتوفى ١١٠ هـ/ ٧٢٨ م)، ومحمد بن
1 / 9
إسحاق (المتوفى ١٥٠ هـ لم ٧٦٨ م) وأبي معشر السندي (المتوفى ١٧٠ هـ/ ٧٨٨ م)، ومحمد بن عمر الواقدي (التوفى ٢٠٧ هـ/ ٨٢٣ م)، وهشام بن محمد بن سائب الكلبي (المتوفى ٢٠٤ هـ/ ٨٢٠ م)، ومحمد بن سعد (المتوفى ٢٣٠ هـ، ٨٤٤ م)، وغيرهم ممن يوجه لهم النقد نظرًا لما اتصفت به كتاباتهم من إفراط وتفريط. ومع أنه قد ظهر من بينهم من لم يثبت ضده أي نقد موجه من أهل الجرح والتعديل، فى ضوء الأبحاث الجديدة، إلا أنه من الصحيح أيضًا أنه صدرت عنهم روايات ضعيفة بل موضوعة.
ويعتبر أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي (المتوفى ١٥٧ هـ/ ٧٧٤ م) من رواة ومؤلفى الحوليات، وهو بالإِضافة إلى تدوينه وتحقيقه بل وتعصبه لتاريخ قبيلته " أزد " كان أيضًا معبرًا عن وجهات نظر الشيعة كما كان مخالفًا للروايات الشامية. وها هو سيف بن عمر التميمي (المتوفى ١٨٠ هـ/ ٧٩٦ م) يكتب عن أعمال ومآثر قبيلته تميم بمبالغة شديدة، ويخلط كتاباته بعناصر رومانية، بينما يتهم عوائد بن حكم الكلبي (المتوفى ١٤٧ هـ/ ٧٦٤ م) بتلفيق روايات مكذوبة لصالح الأمويين والشاميين.
وسواء كان الاتهام الموجه إليه صحيحًا أم غير صحيح، إلا أن هناك بالضرورة ما يدل على ميوله الأموية فى رواياته. ويفهم من خلال الدراسة التحليلية أن جميع رواة ومؤلفي الحوليات تقريبًا يدخل فى عملهم عُنصر العصبية القبلية بصورة واضحة تمامًا، كما أنهم من الناحية السياسية كانوا يعبرون عن وجهات نظر قبائلهم. ويتحدثون بلسان هذه القبائل.
ومع أن جميع المؤرخين وكتاب السير يتفقون بصورة عامة على أن روايات على بن محمد المدائني (المتوفى ٢٢٥ هـ/ ٨٤٠ م) كانت معتبرة وموثوقًا بها، وأنها قائمة على منهج تاريخي صحيح وتتفق تمامًا مع العقل والقياس، إلا أن بعض رواياته ضعيفة ولا تخلو من ميول مذهبية، وفكرية. وهذه حقيقة
1 / 10
تاريخية سلم بها المؤرخون والمحدثون بصفة عامة، وهي أن جميع الروايات التاريخية التي جمعت في الأمصار العراقية: الكوفة والبصرة خاضعة للعصبية.
[وجميع رواة الحوليات ينتمون في معظمهم لهاتين المدينتين]، وكذلك الشأن في الكتب التي كتبت عن موضوعات التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية فيما بعد -وبخاصة بعد تعمير بغداد وتطويرها كعاصمة للخلافة العباسية- فهذه الكتب كانت تضم أحكامًا وأفكارًا ضد الأمويين، وكانت هناك أسباب عدة لهذا الأمر:
أولها: أن عصر خلفاء بني أمية بدأ فورًا بعد عصر الخلافة الرشيدة، مما جعل المقارنة بين حكام العصرين أمرًا طبيعيًا، وهي مقارنة كان وضع الأمويين فيها ضعيفًا دائمًا ... بالنسبة للخلفاء الراشدين قمة الحضارة الإِسلامية بعد الرسول.
وثانيها: أن نتيجة بعض أعمال خلفاء بني أمية أدت إلى بدء حركة تمثلت في الطعن فيهم، وهو طعن لم ينج منه الصحابة الكرام الذين ينتمون إلى البيت الأموي!!
وثالثها: الحسد أو التنافس السياسي الذي ظل قائمًا بين العراق والشام منذ البداية؛ إذْ كانت الشام مركزًا للخلافة الأموية بينما كان العراق المعارض السياسي والمعارض " المذهبي " للشام.
ورابعها: أن الخلافة العباسية قامت على أساس معارضة الأمويين، وبالتالي أصبحت الروايات والكتب التاريخية في العالم يسودها طابع العداء للأمويين.
المؤرخون العالميون:
يُعَدُّ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) العصر الذهبي لتدوين التاريخ الإِسلامي حين ظهرت على الملأ المآثر العلمية للمؤرخين والمؤلفين الكبار.
1 / 11
فها هو كتاب " السيرة النبوية " الذي كتبه عبد الملك بن هشام (المتوفى ٢١٨ هـ/ ٨٣٣ م) والموسوعة التي تعد طبقًا لأبحاث زماننا أكمل وأول مؤلف عن السيرة وصلنا حتى اليوم.
ومع أن هناك ثقة يدعمها الاطمئنان بما لدى ابن هشام من قدرة منهجية، إلا أن العديد من الروايات عنده -رغم احتياطه الكامل- لا يمكن أن توضع على محك عِلْمَي الرواية والدراية، هذا بالإضافة إلى أننا نلاحظ ميله إلى القبائل الجنوبية وبعض الأفراد، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على تأثير عامل العصبية القبلية لديه.
أما إمام علم التاريخ في هذا القرن فهو محمد بن جرير الطبري (المتوفى ٣١٠ هـ/ ٩٢٣) ورغم الإجماع على إمامته التاريخية إلا أن من المعروف أنه جمع في كتابه العظيم " تاريخ الرسل والملوك " الروايات المسندة إسنادًا صحيحًا وغيرها من الروايات غير الصحيحة، وقد جمع الروايات الصحيحة والروايات الضعيفة والموضوعة في سياق واحد!! ولم يدرسها أو يحللها أو يكشف ضعفها، وكان من نتيجة ذلك أن أصبح من الصعب على القارىء العادي أن يميز الصحيح من الخطأ فيها.
وقد شاع قول النقاد والمحدثين فيه: " بأنه جامع للروايات أكثر منه مؤرخًا " وهو رأي صحيح إلى حد ما، وربما أدرك هو نفسه ذلك وشعر به!!!
أما كتب أحمد بن يحيى البلاذري (المتوفي ٢٧٩ هـ/ ٨٩٢ م) فتعد من أهم المصادر فيما يتعلق بتدوين تاريخ القرون الأولى، لأنه وضع الروايات العراقية جنبًا إلى جنب مع الروايات الشامية، لكنه لا يعرض التاريخ بصورة مترابطة ومسلسلة، وهو في بعض الأوقات يقبل الروايات الضعيفة.
1 / 12
أما أحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي (المتوفى سنه ٢٩٢ هـ/ ٩٠٣ م) فهو مؤرخ شيعي بصورة أساسية، ورغم ذلك تقلّ عنده عناصر المبالغة والأسلوب الخرافي الأسطوري، إذا ما قورن بالآخرين. وعلى العكس منه أبو حنيفة الدينوري (المتوفى ٢٨٢ هـ/ ٨٩٥ م) والذي لجأ إلى الأسلوب الأسطوري الخالص، رغم أن موضوع بحثه كان واسعًا، ويتضمن أمم العالم المختلفة.
هذا بينما يعدّ مواطنه ابن قتيبة الدينوري (المتوفى ٢٧٦ هـ/ ٨٨٩ م) مؤرخًا حقيقيًا ومعترفًا به بصورة عامة على أنه ثقة، مع أن تاريخه من ناحية أخرى يفتقد طابع التسلسل التاريخي في كتاباته!!
وكان معظم مؤلفي القرن الرابع حتى السادس الهجري (العاشر حتى الثاني عشر الميلادي) يتمتعون بإحساس ناضج بالتاريخ، إلا أن توجههم الأساسي كان لعصرهم دون غيره من العصور، واكتفوا بالأخذ عن شيوخهم الكبار السابقين ما يحتاجون إليه من أخبار قرون التاريخ الإِسلامي الأولى.
ويعد على بن حسين المسعودي (المتوفى ٣٤٥ هـ/ ٩٥٦ م) ومعه حمزة الأصفهاني (المتوفى ٣٦٠ هـ/ ٩٧٠ م) من أهم المؤرخين ويفهم من تعليقات ابن خلدون (المتوفى ٨٠٨ هـ/ ١٤٠٦ م) وتلامذته أن المسعودي لم يكن موفقًا تمامًا رغم كونه مؤرخًا يمتاز بالحسّ التاريخي، فهو لم ينج من السير على طريقة العصبية، ومن قبول الكتابات المزورة، والروايات الملفقة.
ولم يكن مؤرخو هذين القرنين والقرون التالية لهما مؤرخين إسلاميين بمعنى الكلمة، فلم يبرأوا من العصبيات الاجتماعية، والمحاباة القبلية، والميول السياسية، والخلافات الفقهية، والنزاعات المذهبية. وقد صدر هذا عن بعضهم نتيجة لنقص في المعرفة إلا أن عددًا كبيرًا منهم قد ترك جروحًا وبثورًا وبصمات سيئين عن عمد وعن قصد على صفحات التاريخ الإِسلامي؛ نتيجة
1 / 13
لتدوينه لما يعجبه ومالا يعجبه ونتيجة لعصبيته، وهكذا قام معارضو الإسلام بالاستفادة من الكتابات الضعيفة لدى هؤلاء الكبار العظام وجعلوها عونًا لهم أثناء هجماتهم الفكرية ومؤامراتهم المغرضة على تاريخنا العظيم.
المستشرقون:
لا شك أن المستشرقين هم أكثر من شوهوا التاريخ الإِسلامي. وطبقًا لتصريحات العلماء والباحثين فقد بدأ الاستشراق أساسًا لطعن الإِسلام وتشويه صورته، وقد امتلأت قلوب المعارضين للإسلام، وبخاصة من أهالي البلاد المفتوحة بالعداوة للإِسلام، وهي عداوة امتزجت بالحقد والكراهية، وبعدها انتقل هذا الشعور المعادي للإسلام من جيل إلى جيل لقرون في شكل روايات راجت بين الروم والبيزنطيين والآراميين والمسيحيين واليهود. وهي روايات اعتمدت في معظمها -إن لم تكن كلها- على الشائعات واتسمت بالجهل بالحقائق والعداء الصارخ للإِسلام.
وهكذا طوت هذه الروايات رحلتها عبر الزمان على " مطية " الإِشاعات، كما عبرتها أحيانًا على صفحات كتابات ومؤلفات تاريخية، وعلى كتب الرحلات والأسفار. وقد أشعلت هذه العداوة للإِسلام العصبيات القومية والنعرات الحضارية والشعوبية، إلا أن المسلمين قد نجحوا -مع ذلك- إلى أن يصلوا بالحضارة إلى مدارج عالية وإلى أن يرقوا رقيًا سياسيًا كبيرًا وتتسع فتوحاتهم وتصل عندها العداوة للإِسلام إلى حد إعلان الحروب الصليبية.
وحين فشلت قوة سيوف ومدافع العالم الغربي والنصراني في إطفاء نور الإِسلام، بدأ هذا العالم الغربي والنصراني في استخدام خداع حركة الاستشراق، وبدأت هذه الحركة تبدو منظمة ومنسقة في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، وبدأ جربر دي أرالياك (Gerber de araliac) وقسطنطين
1 / 14
الأفريقي Castantian African، وأدلرد باغ (Adelardy Bagh) وروجر بيكن (Roger Bacon) وجون الدمشقي، بدأوا بحملاتهم المغرضة على التاريخ الإِسلامي والسيرة النبوية.
وبعد قرون بدأ كل من فولتير (Voltaire) واليكسندر روس Alexander) (Ross وهيلبيرت (Hildebirt) ودانتي (Dante) وغوليوم بوستل (Guillaume Postel) وجوزف اسكالييه (Joseph Scaliger) في طبع أبحاث علمية معادية للإسلام.
ومنذ القرن السادس عشر الميلادي بدأت حركة الاستشراق عملها طبقًا لخطة عملية محكمة، وصلت إلى ذروتها في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين؛ إذْ قام المستشرقون المشهورون من أمثال وليم بيدويل William) (Bedwell وب فاتيه (P. vattier) وهاتينجر بتشويه السيرة النبوية تشويها ذريا، وكانت دوافعهم من وراء كل هذا دوافع دينية بحتة. وإذا ما استثنينا المستشرق هنري سُتبّه (Henry Stubbe) الذي كان إلى حدٍ ما يتصف بالعدل والإِحساس والشعور والضمير، فإن جميع المؤرخين الغربيين حملوا على قلوبهم علامات تدل على عداوتهم للإسلام ورغم أن كلا من سيمون أوكلاي Simon) (ockley وإيدوارد بوكاك Edward Pocake وجورج سيل (George Sale)، وإيدوارد جيبون (Eduard Gibbon) وفولتير (Voltaire) قد التزموا بالموضوعية أحيانًا إلا أنهم استهدفوا في معظم الأحيان وضع السم بين صفحات التاريخ الإِسلامي. وخلال القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن العشرين، وصلت حركة الاستشراق إلى قمتها، وفي هذه الفترة قام عدد من المستشرقين بالبحث عن جوانب التاريخ الإِسلامي المختلفة والبحث في أزمنته المختلفة، وألقوا الضوء على نواياهم واتجاهاتهم من وراء أبحاثهم تلك.
ومن بين هؤلاء جان جاك سيديلّو، وديفرجيه (Desvergers) وبيرون
1 / 15
Perron، وجوزف وايت (Joseph White) وى. هـ بالمر E. H. Palmer ودي غوييه (De Goeje) ووستنفيلد (Wustenfeld) وبيريزين (Beresine) وسخاو (Sochau) وفان كريمر (Van Kremer) ووليم ميور (William Muir) وليبون (Lebon) وجولد تزيهر (Goldziher) وولهاوزن (Wellhausen) وغيرهم.
وأيضًا قام مستشرقو العصر الحديث بالكتابة عن الإِسلام والتاريخ الإِسلامي من وجهة نظرهم الاستشراقية الخالصة، ونذكر من بينهم مونته (Montent) و، ج ديمومبيونه (G. Demombynes) وت. أرنولد (T. Arnold) إس لين بول (S. Lan-Poole) ونكلسون (Nicholson) ونولدكه (Noldeke) وهرجرنيه (Hergrenje) وجوزيف هوروتس (Joseph Herotitz)، وبروكلمان (Broekolman) وبارتهولد (Bartthold) وهـ. ج. ويلز (H. G. Wells) وهـ. جب (H. Gibb) وسميث (W. C. Smith) وجوزف شاخت (Joseph Schacht) وبرنارد لويس (Bernard Leuis) وتور اندريه (Tor Andre) وفرانسسكو جبرائيلي (Francisco Gebraeli) ومونتجمري وات (Montgemry Watt) .
لقد قامت حركة الاستشراق في بدايتها بالتركيز على الهجوم على رسول الله ﷺ، وعلى التاريخ الإسلامي. وكان هذا قائمًا على الجهل من ناحية، والعداوة من ناحية أخرى، جهل بالإِسلام وعداوة للإِسلام. ثم كانت المرحلة التالية، فانطبع اتجاه مؤرخي تلك الفترة بعدم العلمية، وساده الجهل الكامل، إلا أن هذا الاتجاه بدأ يتجه تدريجيًا في التغير، نظرًا للتعرف على المصادر الإسلامية، ونظرًا لرقي الثقافة والحضارة، وقد بدأ أسلوب الكتابة يسوده الاتزان، ويتصف بالمعرفة ويرتكز على البحث والتحقيق، إلا أنه من وراء كل هذا استمرت المؤامرة القديمة والخطة المسمومة البالية.
1 / 16
وفي الفترة الأخيرة بدأ الهجوم على التاريخ الإسلامي متخفيًا داخل رداء أسلوب الفكر العلمي القائم على البحث وأسس التحليل والنقد. ومع أن هؤلاء المستشرقين ومن يساندهم قد ادّعوا أنهم طالعوا التاريخ الإسلامي والعلوم والفنون الإسلامية، مطالعة قائمة على الحيادية والإنصاف بإخلاص وأمانة، إلا أن الحق أنهم لم ينصفوا حتى الآن التاريخ الإسلامي. فالمستشرقون أساسًا قاموا بمطالعة الإسلام وقراءته. وفي أذهانهم وعقولهم خلفيات قائمة على الخلْط بين الإسلام والمسيحية، والإسلام واليهودية والمشرق والمغرب، وقد قاموا أولًا بالهجوم الواضح الفاضح الذي يدل فقط على كراهيتهم الشديدة للإسلام، ولا شىء غير ذلك، ثم تدرج المنهج مع تطور العقل، فترك المستشرقون أسلوب الكراهية الواضحة والعداء الواضح واتجهوا للتستر وراء الطريقة العلمية، وطريقة العرض التي تحمل بين طياتها إثارة الشبهات والشكوك في التاريخ الإسلامي بطريقة خبيثة، فأدّوا بذلك مهمتهم على أحسن وجه، ونجحوا فى خداع البسطاء ممن انطوت عليهم حيل المستشرقين الخبيثة!!
1 / 17
الاتجاهات الجديدة في كتابة السيرة والتاريخ
لقد بدأ اتجاه جديد لكتابة السيرة والتاريخ الإسلامي في العصر الحاضر.
وهذا الاتجاه يقوم على مطالعة التاريخ الإسلامي طبقًا لنظرية التفسير الاجتماعي والاقتصادي للتاريخ، وهي نظرية حديثة. وهكذا بدأ العديد من المؤلفين والمؤرخين، من بينهم مسلمون، بتتبع العوامل والمحركات والدوافع الاجتماعية والاقتصادية أثناء مطالعاتهم لجوانب التاريخ الإسلامي، وقام البعض منهم يضع نصب عينيه -سلفًا- نظرية الصراع الطبقي والجدلي للاشتراكية، والنظرية القائلة بالتفسير المادي للتاريخ، وهكذا صاغوا التاريخ الإسلامي على أساس أنه تاريخ للصراع الطبقي، وهكذا يرى هؤلاء المؤرخون الاشتراكيون أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية هي المسئولة عن حركة التاريخ الإسلامي، وليس العوامل السياسية أو الدينية!!
وطبقًا لنظريتهم هذه فلا وجود لتأثير العوامل الدينية والأخلاقية في التاريخ، ويمكن أن نرى النتائج الخطيرة، والتأثير العميق للأفكار المتعلقة بالنظريات الاشتراكية والعوامل الاقتصادية لدى المستشرق الألماني هوبرت كرايم (Hubert Crime) ود. س. مارغليوث D.S.Margoliatt والمستشرق برنس لون كتان (Prince Leen Caetain) وبرنارد لويس (Bernard Lewis) ومكسيم رودنسن (Maxime Rodinson) . هذا بينما نرى (مونتجمري وات) يركز كثيرًا على وجهة النظر الاجتماعية والاقتصادية وذلك من خلال كتاباته التاريخية.
ومن بين المؤرخين المسلمين نرى عبد الحي شعبان الذي يمثل الأسلوب الاشتراكي في الكتابة ونرى الكاتب اليساري المصري أحمد عباس صالح،
1 / 18
ورصيفه محمود أمين العالم، وأخيرًا محمود إسماعيل وعبد المنعم ماجد بدرجة كبيرة هذا بينما يمثل وجهة النظر الجديدة أو الاتجاه الجديد المسمى بالاتجاه الطبي، أو اتجاه علم الأمراض Pathological كل من اسبرنجر Sprenger، وهنري لامنس Henry Lammens، وتور اندريه Tor Andre وطبقًا لنظرياتهم قام هؤلاء المستشرقون فجنوا ثمرات طيبة لخدمة الاستشراق في باب سيرة الرسول وفي التاريخ الإسلامي.
المؤرخون المغرضون والانتهازيون:
إلا أن أخطر طبقة من هؤلاء هم أولئك الذين يجرحون في التاريخ الإِسلامي ويطعنون فيه، وذلك بما لديهم من طبع سيىء، ومكر وخبث ودهاء، فأدعياء علم التاريخ من المؤرخين والمؤلفين، يقومون بالبحث في رواياتنا ومصادرنا، فينتقون من بينها الروايات والشروحات التي تخدم أهدافهم وأغراضهم الرامية إلى تصديق المزاعم والأفكار التي يعتقدونها سلفًا ويؤمنون بها مسبقًا، وبالتالي، وعلى بعض المواد والمعلومات المنتقاة والمخلخلة أقاموا بنيان كتاباتهم التاريخية الجاهلة من أولها إلى آخرها، من أول لبنةٍ فيها حتى آخر طابق فيها.
ومن الغريب أن هؤلاء الأدعياء الماسخين للتاريخ حين لا يجدون معلومات أو روايات تؤيد ادعاءاتهم، يقومون بإطلاق العنان لخيالاتهم. فيثبتون أحداثًا ووقائع تاريخية بعيدة كل البعد عن الواقع، وذلك من خلال مطالعاتهم لما بين السطور، وعلى كل حال فإن اتجاههم هذا لا يقوم فقط على الافتقار إلى التمييز بين الصحيح والخطأ من المصادر والمراجع، أو بين المسند والضعيف من الأخبار، بل هم يقبلون الروايات الخاطئة والضعيفة، ويصرفون النظر عن الروايات الصحيحة.
وهذه الطبقة من المؤرخين في معظمها إنما يقوم أصحابها بعرض الروايات
1 / 19
التاريخية بطريقة معوجة معكوسة ملتوية، ليخرجوا من وراء ذلك بنتائج تحقق هدفهم، رغم أنها من الناحية التاريخية خاطئة تمامًا.
وهناك جريمة أخرى يرتكبها هؤلاء يمكن أن نلاحظها في كتاباتهم وهي أنهم لا يوثقون بياناتهم وتفسيراتهم بذكر مصادر معتمدة لأية رواية. وذلك لأنها قائمة أساسًا على مزاعمهم وعلى أهوائهم وميولهم، ولا وجود ألبتة لمصادر تؤيد مزاعمهم وافتراءاتهم، وإذا ما ذكروا مصادر تؤيد مزاعمهم فهي في معظمها مصادر مشبوهة أو مرفوضة!!
ومن أمثال هؤلاء المؤرخين نذكر بالهند " المؤرخ " البروفيسر (خورشيد أحمد فاروق) فكتاباته ما هي إلا مجموعة من الروايات المخلوطة من هنا وهناك التي تنتهي بالضرورة إلى التفسيرات الخاطئة والنتائج الممسوخة.
ونذكر من المؤرخين العرب (جورجي زيدان وفيليب حتى) وآخرين يندرجون تحت هذه الطبقة، ومع أنهم لا يندرجون تحت تصنيف المؤرخين المستشرقين إلا أنه لا فرق بينهم وبين من يدعون التاريخ والتأليف من المستشرقين من ناحية المحركات والوسائل والأهداف، فهم يشتركون معًا فيها للوصول إلى هدف واحد، وهو تشويه حقيقة التاريخ الإسلامي. ولا بد -لكى تتحقق الأهداف- من أن تأخذ طريقة كتابة هذه الطبقة وأسلوب استدلالها الطابع الذي يميز طريقة كتابة العلماء، مما يُرهب القارىء، ويؤثر فيه بحيث لا يتمكن من إدراك ما وراء كتاباتهم هذه، ولا يتمكن من فهم بياناتهم الخاطئة وتفسيراتهم المسقطة على الوقائع والموجهة لأهداف محددة.
المؤرخون المنحازون
يندرج تحت طبقة المؤرخين المنحازين بعض العلماء والمفكرين المسلمين الجدد ممن قاموا ببحث فترة ما من فترات التاريخ الإِسلامي، أو عصر حكم
1 / 20
من التاريخ الإسلامي بحثًا تاريخيًّا تفصيليًّا، وهؤلاء ممتازون وبارعون فيما يتعلق بتبحرهم العلمى، وصلابتهم الدينية وفكرهم العالي ومطالعتهم الواسعة، ومعلوماتهم الوفيرة وقدرتهم على النقد والتحليل. كما أن دوافعهم ونواياهم ليست خالصة لوجه الله. وهؤلاء أمامهم مشكلتان يعجزون حقيقة عن علاجهما، المشكلة الأولى هي أنهم رغم ما لديهم من علم وفضل يفتقرون إلى الإدراك التاريخي السليم. وذلك لأن تربيتهم ونشأتهم العلمية لم تكن لتؤهلهم ليكونوا مؤرخين.
والمشكلة الثانية هي أن هؤلاء افتقروا إلى أصالة المنهج وعمق التفكير فى كتاباتهم التاريخية من ناحية، ومن ناحية أخرى فهم يقيمون بعض نظرياتهم بناء على أفكارهم وميولهم ومزاعمهم التي اعتنقوها وآمنوا بها قبلًا، ولم يتمكن هؤلاء من التخلص من هذه الأمور حتى وقت كتاباتهم لكتبهم وأبحاثهم. بل اعتبروا كتاباتهم القائمة على الأفكار والمزاعم التي يعتنقونها هي التفسير الصحيح للقيم الإسلامية والتاريخ الإسلامي.
وكانت النتيجة المنطقية لهذا الأمر، أنهم يشاهدون مجرد جانب واحد من الصورة، فيعرضون هذا الجانب الواحد فقط للآخرين، ومن الواضح أن يجد هؤلاء من يميل إلى نظرياتهم تلك، وقد أدى بهم سلوكهم المنحاز هذا إلى قبولهم للأخبار والروايات التي تتفق مع نظرياتهم وأفكارهم، ثم يغفلون أو يتغافلون تمامًا عن جميع الروايات والأخبار التي تتعارض مع خططهم المحددة أو يمرون عليها مرورًا سريعًا. إلا أن السبب الأهم لسلوكهم هذا هو جهلهم بالمعلومات الحديثة، مما نتج عنه ورود تفسيراتهم وشروحاتهم الخاصة بالتاريخ الإسلامي منحازة وتعالج جانبًا واحدًا، كما جاءت ناقصة غير مكتملة، وهناك أمثلة على هؤلاء المؤرخين ممن كتبوا بالأردية في شبه القارة الهندية الباكستانية ْوممن كتبوا بالعربية في مصر ولبنان. وكنموذج لقد بحث بعضهم موضوع
1 / 21
تطور وسقوط نظام الخلافة الإسلامية، وقدم نظريته التي يؤمن بها، ودافع عنها دون عرض لوجهات النظر الأخرى.
اتجاه خطير
وهناك اتجاه فكرى خاطىء غير إسلامي ترك آثارًا سلبية خطيرة على التاريخ الإسلامي، وهو الاتجاه المتمثل في نظرية التفريق بين الدنيا والدين، أو بين الدين والدولة، ومن المسلم به أنه لا مجال -أىّ مجال- لهذه النظرية في المبادىء الإسلامية، فهذه النظرية من نتاج الرهبانية النصرانية، وقد دخلت الإسلام عن طريق التصوف الذي خضع بدوره إلى تأثره بالفلسفات المسيحية والبوذية والهندوكية، فطريقة الزهد والتنسك في الحياة في القرون الأولى إنما كانت ردّ فعل للمادية الشديدة وحب الدنيا الذي طغى وسيطر بشدة على بعض طبقات المجتمع الإسلامي.
فقد قام الزهاد والنساك المسلمون بخوض معركة الدفاع عن الدين حتى يقيموا التوازن بين الدين والدنيا، وهو الأمر الذي يمثل أساس الإسلام. وكان هذا الأمر بذاته هو هدف التصوف الإسلامي في البداية إلا أنه حين بدأت عناصر غير إسلامية تدخل فيه كانت النتيجة التي لمسناها هي التفريق بين الدين والدنيا، فانكمش الدين ليصبح مجموعة من الرسوم قائمة على بعض العبادات، وأصبحت السياسة والتجارة والزراعة والحكم والخدمات العسكرية كلها من أمور الدنيا التي يصبح الارتباط بها ضروريًا للنجاة الأخروية والفلاح الدنيوى. ولقد قام بعض الخلفاء المسلمين والسلاطين وبعض الولاة والحكام فأوضحوا أن السياسات الخاطئة، والأعمال غير الصحيحة ليست من الإسلام، وأدوا بلا شك فريضة النهي عن المنكر وأقاموا الأصول الإسلامية، إلا أنهم من جانب آخر لم يحاولوا محاولة جادة الوقوف في وجه الاتجاهات اللا إسلامية، فلم يؤدوا مبدأ " الأمر بالمعروف " بل اتجهوا بدلًا من هذا إلى
1 / 22