وأما صيد الأرنب بالفهد المبتدي جيد، لاسيما الفهد الربيب، فإنه لا ينبغي أن تصاد به إلا الأرنب حتى يتقلب عليها، ويعرف المراوغة، فإذا صاد به ثلاثة أطلاق أو أربعة، خرج به إلى المظنة للصيد ودور به وهو مغطى الوجه تارة، ومكشوفة أخرى إلى أن ينظر منه الحاجة، ويعرف ذلك من قلقه على الرفادة، فإذا نظر ذلك منه، أجلس أحدًا يأمره أن يخلي ما معه من كسيرة ويجتهد أن يكون خشف من وراء ستارة، ثم يكشف بعد ذلك وجه الفهد، يفعل هذا مرتين أو ثلاثة ثم يخرج به إلى الصيد، وأصل هذه الصناعة حسن الخلق والمداراة وتقدير الطعم ومعرفة الإجابة ومعرفة ركوب الخيل والركض.
باب في تعليم عناق الأرض
قال صاحب حياة الحيوان: عناق الأرض هو التفه، نوع من السباع بقدر الكلب الصغير يشبه الفهد، صيده في غاية الملاحة ولا يأكل إلا اللحوم ويصيد الكراكي وربما واثب الإنسان وقيل إنه السّنور البري.
ويسمى هذا الحيوان بلغة العجم ساه كوش ومعناه أسود الأذن، وقد ذكر في هذا الجنس أشياء عجيبة، قيل أنها التفه، سميت بذلك.
ولم يعرف أول من لعب به من الفرس، وتسميه العرب عناق الأرض لشبه لونه بلون التراب، ويحكى عنه حكايات عجيبة، ومن صيده الكركي والحبرح والإوز وغير ذلك، وإنه يقتل الأسد إذا نازعه على فريسته، وذلك أنه إذا وثب عليه الأسد دخل بين رجليه فلا يقدر الأسد عليه، ثم يتعلق هو بالأسد في مكان لا يقدر الأسد الخلاص منه، ويجعل يديه في حلق الأسد معانقة وينهش بفيه في حلقه، ويكون ظهره وأوراكه بين يدي الأسد لاصقة لصدره ناشبة فيه بمخاليبه فلا يقدر أن يتخلص منه إلا إذا كان بقربه ماء فإنه ينزل ويغيب نفسه فيه ولا يظهر إلا مشفره فإنه يخلص منه وإلا فلا.. ويقتل في البرية جميع الدواعر الكبار إذا نازعته على الصيد. وإذا ربطه الصياد في بيت فيه فهود، فإن ذلك من ضعف رأي الفهاد وقلة معرفته، وللتفه صنّاع غير صناع الفهود، وخلقه أشد من خلق الفهد لما فيه من ضعف التركيب، وهو يشب إلى ما فوق عشرة أذرع إلى ما هو أقل، وأكثر ما يلعب به في بلاد العجم والموصل وفي بلاد الروم، وأصنع ما يكون فيها العجم، وهم أكثر الخلق معرفة في ترويض الضواري.
ولنرجع إلى كيفية تعلم عناق الأرض، وذلك أنه يستجاب كالفهد وينبغي أن يوقف شيء من الطيور في الماء مثل الإوز والكركي ويجسره على أخذه في الماء ليعتاد على ذلك، وقيل أيضًا أنه إنما سمي عناق الأرض لأنه ينبع من الأرض عند وثوبه ولا يراه أحد قبل ذلك لمشابهة لونه بها.
وله وثبة إذا طار الطائر منه تبلغ عشرين ذراعًا ارتفاعًا، وأربعين ذراعًا على وجه الأرض.
وكل هذه الضواري لا تصيد بغير صانع، وينبغي للصانع أن يظهر صنعته لتراها الناس، ولولا ذلك لبطل الفضل بين الناس، فسبحان صانع كل شيء ومصوره ولم أذكر عناق الأرض في هذا الكتاب إلا تطرفًا لأنه لا يكون في بلادنا ولا يوجد إلا في بلاد العجم.
باب تعليم الكلب
ينبغي لمن يربي كلب الصيد أن يكون عارفًا بجميع أمراضه وما يصلح لمداواته، ومتى ما صار له من العمر شهرين تأمر صبيًا أن شيد له في رأس خيط ذنب ثعلب أو قطعة من جلد الغنم أو غيرهما، ويكون طول الخيط نحو خمسة أذرع فيجر الخيط أمامه وينشطه ويجتهد في أن لا يسلم إليه ما في الخيط ليزداد بذلك حدةً وحنقًا، فإن ذلك يزيده جرأةً وحرصًا، فإذا صار له خمسة أشهر أخرج له فأرًا كبيرًا وهي الجردان التي تكون في الصحاري ولا يناوش بها، على عرس في مبدأ أمره فذلك يفسده، فإذا سار له سبعة أشهر مضى به إلى البرية القفرة التي يأوي إليها اليربوع، وهو يكون في الأرض المعتدلة ويعرف مكانه بسد باب حجرته بالتراب، فإذا عاين ذلك جعل في بابه خرقة مهيأة كهيئة كيس ويكون له في بابه طوق خشب أو حلقة حديد بحيث تدخل اليد فيه كالراووق لاحتمال دخول اليربوع في الكيس المذكور.
وأما اليربوع فلا يصيده إلا الكلب الجيد، ويخلى على اليربوع الثلاثة من الكلاب والاثنين برسم الفرجة، ويبعث الثلاثة كلاب وأكثر ولا تأخذ اليربوع إلا عدة كلاب.
1 / 24