Unknown
من أحكام الفقه الإسلامي وما جاء في المعاملات الربوية وأحكام المداينة
خپرندوی
الجامعة الإسلامية
د ایډیشن شمېره
الثالثة
د چاپ کال
١٤٠٩هـ/١٩٨٩م
د خپرونکي ځای
المدينة المنورة
ژانرونه
من أحكام الفقه الإسلامي وما جاء في المعاملات الربوية وأحكام المداينة
جمع الفقير إلى الله تعالى الشيخ: عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أحلّ ما ينفعنا، وحرّم علينا ما يضرّنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا، رحمةً بنا وإحسانا إلينا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي ما ترك خيرًا إلا دلّنا عليه، ولا شرًّا إلاّ نهانا عنه وحذّرنا منه. صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
وبعد:
فقد طلب مني بعض الإخوان أن أُفرد من كتابي "بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين" ما يتعلّق بالمعاملات الربوبية التي وقع فيها كثيرٌ من الناس، وطرق الكسب الحرام، تحذيرًا منها ومن سوء عاقبتها، وما يتعلّق بالاقتصاد في النفقات وأحكام المدايَنة. فأجبتهم إلى ذلك.
سائلًا الله تعالى أن ينفع بها من قرأها أو سمعها، وأن يعظِّم الأجر والمثوبة لمن كتبها، أو طبعها، أو نشرها، أو عمل بها.
1 / 3
وهو حسبنا ونعم الوكيل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
المؤلف.
1 / 4
من أحكام الفه الإسلامي
...
من أحكام الفقه الإسلامي
الفقه: في اللغة: الفهم. ومعناه شرعا: معرفة الأحكام الشرعيّة بأدلّتها من القرآن الكريم، والسنة المطهّرة، والإجماع، والقياس الصحيح.
والأحكام الشرعيّة خمسة:
١ الواجب، يُثاب فاعله ويعاقب تاركه مثل: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وبِرّ الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، والصدق في الحديث، وأداء الأمانة، ونحو ذلك.
٢ الحرام ضدّه، يثاب تاركه ويعاقب فاعله مثل: الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، والمعاملة بالربا، وحلق اللحى، وشرب الدخان، وتصوير ذوات الأرواح من الأدميِّين والبهائم، ونحو ذلك كالأغاني.
٣ المسنون، ومثله المستحب والمندوب، يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه مثل: نوافل الصلاة، والصدقة، والصوم، والحج، والذكر، والدعاء، والاستغفار.
1 / 5
٤ المكروه ضده، يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله مثل: تقديم اليسار عند دخول المسجد، واليمين عند دخول الحمّام، وفرقعة الأصابع في الصلاة وتشبيكها
٥ المباح، فعله وتركه سواء مثل: فضول الأكل والشرب والنوم والمشي.
وينقسم الواجب إلى:
فرض عين: يطلب حصوله من كل مسلم بالغ عاقل. مثل: أصول الإيمان الستّة، وأركان الإسلام الخمسة.
وإلى فرض كفاية: يطلب حصوله من عموم المسلمين، إذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين، كتعلُّم العلوم والصناعات النافعة، والجهاد، والأذان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلّ ما فيه مصلحة خالصة أو راجحة أمر به الإسلام، وكلّ ما فيه مفسدة خالصة أو راجحة نهى عنه.
وقد أباح الله لنا كلّ طيِّب نافع، وحرّم علينا كلّ خبيث أو ضار لأجسامنا وعقولنا وأموالنا؛ رحمةً بنا وإحسانا إلينا، قال الله تعالى في وصف نبينا محمد ﷺ: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ ١، وقال تعالى: ﴿هُوَ
_________
١ سورة الأعراف، الآية: ١٥٧.
1 / 6
الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ ١، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ ٢.
ويجب على كلِّ مسلم مكلّف: أن يتعلّم من الفقه كل ما يحتاج إليه في عباداته ومعاملاته، ليعبد الله على علم، وليكون على بصيرة من أمره، وليفهم كيف يصلِّي؟ وكيف يزكِّي؟، وكيف يصوم؟، وكيف يحج؟، وكيف يبيع؟، وكيف يشتري؟. فلا يُعذر أحدٌ بالجهل، لأن الله ركّب فينا العقول، وأرسل الرسول، وأنزل القرآن، وقامت حجة الله على عباده، ومن لا يستطيع أن يتعلّم فليسأل أهل العلم، قال تعالى: ﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون﴾ ٣.
ويجب على المسلم أن يتعلّم العلم والفقه في دين الله، ثم يعمل به ويدعو إليه، ويصبر على ذلك. قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ .
وقال تعالى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
_________
١ سورة البقرة، الآية: ٢٩.
٢ سورة البقرة، الآية: ١٧٢.
٣ سورة النحل، الآية: ٤٣. وسورة الأنبياء، الآية: ٧.
1 / 7
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ ١.
فالعلم بما يجب لله على عباده فرض عين، أما بقيّة أنواع العلوم كعلوم الصناعة والزراعة والطب والهندسة، وعلم القضاء والإفتاء؛ فهذه فرض كفاية، وقال النبي ﷺ: "من يُرِدِ الله به خيرًا يفقِّهه في الدين" يعني: يوفِّقه للعلم والعمل به. والحديث متّفق عليه.
ومفهوم الحديث: أن من لم يُرِد الله به خيرًا أعرض عن طلب العلم النافع والعمل به، فأصبح من الخاسرين.
قال العلماء: "وطريقة التفقّه في الدّين: أن يحفظ الطالب في كل فنّ أصلًا يبني عليه، فأول ذلك: يفهم القرآن الكريم وما فيه من الأوامر فيمتثلها، والنواهي فيجتنبها، ثم السنة المطهّرة، يحفظ فيها مختصرًا ككتاب "عمدة الأحكام في أحاديث خير الأنام"، ثم يحفظ مختصرًا في الفقه، مثل: "عمدة الفقه" عند الحنابلة، و"قرة عيون الأبصار" عند الأحناف، و"مختصر خليل" عند المالكيّة، و"مختصر المزني" أو "منهاج الطالبين" للنووي عند الشافعية. ومورد هذه المذاهب وهذه
_________
١ سورة التوبة، الآية: ١٢٢.
1 / 8
الكتب واحد وهو القرآن والسنة، وغالبها متّفق عليه والحمد لله، وإنما اختلفوا في فهم بعض النصوص أو في صحّتها وضعفها، وكلهم مجتهدون، رحمهم الله تعالى وغفر لنا ولهم.
اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالِمَ الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لِمَا اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الاقتصاد في النفقات التوسط والاعتدال في إنفاق النفقات خلق فاضل، بين خُلُقين مذمومين متطرِّفين، وهما: الإسراف والتبذير، والبخل، والشُّح، والتَّقْتير. فإن الله تعالى امتنّ على العباد بالأموال ليشكروها باستعمالها في مرضاته، وليقوم بها أَوَدُهم١، ويُنفقوا منها في الواجبات والمستحبّات، وحرّم عليهم تبذيرها والإسراف في إنفاقها في غير الوجوه المشروعة، قال تعالى: _________ ١ اعوجاجهم.
الاقتصاد في النفقات التوسط والاعتدال في إنفاق النفقات خلق فاضل، بين خُلُقين مذمومين متطرِّفين، وهما: الإسراف والتبذير، والبخل، والشُّح، والتَّقْتير. فإن الله تعالى امتنّ على العباد بالأموال ليشكروها باستعمالها في مرضاته، وليقوم بها أَوَدُهم١، ويُنفقوا منها في الواجبات والمستحبّات، وحرّم عليهم تبذيرها والإسراف في إنفاقها في غير الوجوه المشروعة، قال تعالى: _________ ١ اعوجاجهم.
1 / 9
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ ١ وإذا كان لا يحبّهم فهو يبغضهم ويَمْقتهم.
والسرف: إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي، والسرف بالمأكولات التي تضرّ بالجسم. وإما أن يكون بزيادة الشَّرَه والتنوّع في المآكِل والمشارِب والملابس فوق الحاجة. وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام.
فالسرف يبغضه الله، ويضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى ربما أدّت به الحال إلى أن يعجز عن ما يجب عليه من النفقات.
وفي الحديث: " كلوا واشربوا والبسوا وتصدّقوا في غير إسراف ولا مخيلة " رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم بإسناد صحيح.
وقد نعى الله على قوم تعجّلوا شهواتهم، وأذهبوا طيّباتهم في هذه الحياة، فقال: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ ٢.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ ٣ أي: أشباههم في السَّفَه، والتبذير، وترك
_________
١ سورة الأعراف، الآية: ٣١.
٢ سورة الأحقاف، الآية: ٢٠.
٣ سورة الإسراء، الآية: ٢٧.
1 / 10
طاعة الله، وارتكاب معصيته. فإن الشيطان يدعو إلى كل خصلة ذميمة؛ فيدعو الإنسان إلى الشح، والبخل، والإمساك، فإنْ عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير، وإنفاق الأموال بالباطل والمحرّمات؛ كاشتراء الاسطوانات والبكمات والأشرطة التي سُجِّلت فيها الأغاني المحرّمة، واشتراء الصور ذوات الأرواح، وكإنفاق المال في الدخّان الخبيث الضار بالصحّة والاقتصاد. فكلّ ذلك وما في معناه فالنفقة فيه نفقة بغير حق، وقد قال رسول الله ﷺ: "إنّ رجالًا يتخوّضون في مال الله بغير حقّ فلهم النار يوم القيامة" أخرجه البخاري.
وقد مدح الله المؤمنين بالعدل في إنفاقهم بقدر الحاجة، فقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ ١ أي: لم تصل نفقتهم إلى حدِّ السَّرَف، ولم تنقص إلى حد البُخل، وكان إنفاقهم بين البخل والتبذير بقدر ما تقوم به حاجتهم، وتندفع به ضروراتهم.
وقد حدَث التوسُّع الزائد في هذه الأوقات في النفقات والولائم والحفلات، حتى وصلت إلى حدِّ الإسراف والتبذير.
_________
١ سورة الفرقان، الآية: ٦٧.
1 / 11
وهذا ضررٌ عظيم مخالِفٌ للشرع، ومضارُّه شاملة للغني والفقير.
وقد جعل الله الأموال قياما للناس، تقوم بها المصالح والمنافع، فمن صرفها في غير وجهها الشرعي فقد ضيّع الأمانة المُلْقاة على عاتقه، وهذا النوع من النفقة لم يضمن الله للمنفق خلفها.
إنّ هذا التوسُّع يُرغم العاجزين ومن ليس لهم مقدرة بالتزام ذلك مجاراة للأغنياء والقادرين، فلو أن الرؤساء والأغنياء الذين هم قدوة لغيرهم التزموا الاقتصاد في النفقات، واتّفقوا عليه، لشكروا على ذلك، وكان فيه خير للمجتمع، قال تعالى في الحَثِّ على هذا السبيل: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ ١ فإنك إن قصّرت بالنفقات، وبخلت بالواجبات؛ لامك الناس على الإمساك، ولاموك على البخل، وإن أسرفت في الإنفاق فوق طاقتك، نفد ما عندك، فأصبحت حاسر اليد فارغها. فالاقتصاد من أسباب بقاء المعيشة ودوامها فإنه "ما عالَ من اقتصد".
والسخاء المحمود شرعا: هو بذل ما يُحتاج إليه، وأن يوصل ذلك إلى مستحقّه بقدر الإمكان. وليس كما قيل: "حدّ
_________
١ سورة الإسراء، الآية: ٢٩.
1 / 12
الجود بذل الموجود"، ولو كان كذلك لانتفى اسم السرف والتبذير، اللذين ورد الكتاب بذمّهما، وجاءت السنة بالنهي عنهما، فمن كان سخيا سمّي كريما مستوجبا للحمد، ومن قصَّر عنه سمّي بخيلًا مستوجبا للذم.
والسخيّ قريب من الله، قريب من خلقه، قريب من الجنة، بعيد من النار.
والبخيل بعيد من الله، بعيد من خلقه، بعيد من الجنة، قريب من النار١.
فجود الرجل يقرِّبه إلى أعدائه، وبخله يُبغضه إلى أولاده.
فالكريم المتصدِّق يعطيه الله ما لا يُعطي البخيل الممسك، ويوسِّع عليه في ذاته وخُلُقِه ورزقِه ونفسِه وأسباب معيشته جزاءً له من جنس عمله: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ٢.
وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
نصيحة
أيها المسلم: أنت أخ كريم، أنت مسلم عاقل، تؤمن
_________
١ انظر: "الوابل الصيِّب" لابن القيِّم ص ٧٦ ٨٢.
٢ سورة الحشر، الآية: ٩.
1 / 13
بالله واليوم الآخِر، وتحب ما ينفع، وتكره ما يضر، وتحب الحلال، وتكره الحرام.
أسأل الله تعالى أن يكون كسبك حلالًا، ليكون عملك مقبولًا، ودعاؤك مستجابا.
أخي المسلم: أذكِّرك أن المعاملة بالربا حرام، سواء عن طريق بيع الجنس بجنسه مع الزيادة في أحدهما، أو بغير جنسه مؤجَّلًا، أو غير مقبوض، أو بأن يقرضه قرضا مقابل منفعة، فكل قرض جرَّ نفعا فهو ربا، أو عن طريق البنوك بإيداعٍ فيها وأخذ فوائد ربويّة، أو بالاستقراض منها بفوائد ربوبيّة، أو عن طريق المدايَنة مثلًا: العشر اثنا عشر، أو أقل أو أكثر، أو بقلب الدين على المعسر الواجب إنظارُه، أو يقول: استدن مني وأوفِني، أو يبيع سلعة إلى أَجل ثم يشتريها بأقلّ منه نقدًا.
فكلُّ هذه المعاملات من الربا المحرّم، الملعون فاعله، المتوعَّد عليه بأشد وعيد، لأن الربا من كبائر الذنوب، وقد أحلّ الله البيع وحرّم الربا.
عن جابر ﵁ قال: "لعن رسول الله ﷺ آكِل الربا وموكِله وكاتبه وشاهديْه، وقال، "هم سواء" " رواه مسلم وغيره.
فاللعن معناه: الطرد والإبعاد عن رحمة الله، فكلُّ من
1 / 14
يتعامل بالربا، وكل موظّف في بنك يتعامل بالربا، أو في متجر يتعامل بالربا؛ فإنه ملعون على لسان محمد ﷺ.
وآكِل الربا والمتعامِل به محارب لله ورسوله ﷺ، ومن حارب الله فهو مهزوم، وهو مجرّب لسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك.
لذا يجب على المسلم أن يتّقيَ الله في نفسه، وأن يبتعد عن المعاملات الربويّة، وعن جميع أنواع الحرام ومكاسبه وطرقه، وأن يتوب إلى الله تعالى قبل أن يموت، فيندم حين لا ينفعه الندم.
اللهم تُب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمّن سواك.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فائدة
أما المعاملات المشروعة التي هي حلال ومباحه فهي البيع والشراء بصدق وأمانة، والقرض بدون فائدة، وبيع السلم بأن تدفع نقودًا بسلعة معلومة إلى أجل معلوم.
ومن الجائز عند الجمهور أن تبيع سلعة بأكثر من ثمنها الحالي إلى أجل معلوم، وفي الحلال بركة وكفاية عن الحرام وبالله التوفيق
1 / 15
طرق الكسب الحرام
قال الله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ١ أي: ولا تأخذوا أموالكم أي: أموال غيركم، أضافها إليهم لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحترم ماله كما يحترم ماله، ولأنّ أكله لمال غيره يجرؤ غيره على أكل ماله عند القدرة.
ولَمّا كان أكلها نوعين: نوع بحق، ونوع بباطل، وكان المحرّم إنما هو أكلها بالباطل، قيّده تعالى بذلك، ويدخل في ذلك أكلها على وجه الغصب، والسرقة، والخيانة في وديعة، أو عارية، أو نحو ذلك، ويدخل فيه أيضا أخذها على وجه المعاوَضة بمعاوضة محرّمة كعقود الربا والقمار. كلها فإنها من أكل المال بالباطل، لأنه ليس في مقابلة عوض مباح. ويدخل في ذلك أخذها بسبب غِش في البيع والشراء ونحوها. ويدخل في ذلك استعمال الأجراء وأكل أجرتهم، وكذلك أخذهم أُجرة على عمل لم يقوموا بواجبه. ويدخل في ذلك أخذ
_________
١ سورة البقرة، الآية: ١٨٨.
1 / 16
الأُجرة على العبادات والقُرُبات التي لا تصحّ حتى يقصد بها وجه الله تعالى. ويدخل في ذلك الأخذ من الزكوات والصدقات والأوقاف والوصايا لمن ليس له حقا منها أو فوق حقّه.
فكلّ هذا ونحوه من أكل المال بالباطل، فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه، حتى ولو حصل فيه النزاع والارتفاع إلى حاكم الشرع، وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة غلبت حجة المُحِقّ، وحكم له الحاكم بذلك، فإنّ حكم الحاكم لا يبيح محرَّما ولا يُحِلُّ حراما، وإنما يحكم على نحوٍ ممّا يسمع، وإلا فحقائق الأمور باقية، فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة ولا شبهة ولا استراحة، فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة وحُكِمَ له بذلك فإنه لا يحل له، ويكون آكِلًا لمال غيره بالباطل والإثم وهو عالم بذلك، فيكون أبلغ في عقوبته وأشدّ في نكاله. وعلى هذا فالوكيل إذا علِم أن موكِله مبطل في دعواه لم يحل له أن يخاصم عن الخائن، كما قال تعالى: ﴿وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ ١ انتهى من تفسير ابن سِعدي٢.
لذا حرّم الله تناوُل الحرام من أي وجه كان، سواء كان رشوة، أو سرقة، أو ربا، أو غلولًا، أو من قمار،
_________
١ سورة النساء، الآية: ١٠٥.
٢ ج ١ ص ١١٠ ١١١ ط. ١.
1 / 17
أو غصب، أو اختلاس من وراء وظيفة، أو غش، أو قيمة شيء محرّم، أو أُجرته "كمهر البغيّ، وحُلوان الكاهن، وكثمن آلات اللهو، والصور المحرّمة، والكتب والمجلاّت والصحف المشتملة على الإلحاد أو الخلاعة، وكثمن الخمر والدخان، وكالأجرة على الرقص أو الغناء أو العزف، وعلى شهادة الزور، وما اقتطع بيمين كاذبة، أو أخذ بغير حق وإن كان حكم به القاضي، إلى غير ذلك من طرق الكسب الحرام.
روى البخاري من حديث خَوْلة الأنصاريّة، أن رسول الله ﷺ قال: "إن رجالًا يتخوّضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة".
وروى الطبراني وأبو نُعيم، عن زيد بن أرقم عن أبي بكر ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "كلُّ جسد نبت من سُحْت فالنار أولى به".
وفي الحديث: "لا يدخل الجنّة جسد غُذِّي بالحرام". رواه الترمذي.
وروى البيهقي بإسناده إلى رسول الله ﷺ قال: "إن الله قَسَمَ بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبّه، ولا يكسب عبد مالًا حراما فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدّق منه فيُقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده
1 / 18
إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسن" ١.
وفي "صحيح مسلم" حين ذكر النبي ﷺ "الرجل يطيل السفر، أشعث أَغْبَر، يَمُدُّ يديه إلى السماء: يارب يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّيَ بالحرام، فأنّى يُستجاب لذلك".
ومن المحرّمات: أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وشرب الخمر، ونكاح المحارم، ولباس الحرير والذهب للرجال، ومثل الاكتساب المحرم: كالربا، والميسر، وثمن ما لا يحل بيعه، وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب، ونحو ذلك.
قال العلماء ﵏: "ويدخل في هذا الباب: المكّاس، والخائن، والسارق، وآكل الربا وموكِله، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، ومن استعار شيئا فجحده، وآكل الرشوة، ومنقص الكيل والوزن، ومن باع شيئا فيه عيب فغطّاه، والمقامِر، والساحر، والمنجِّم، والمصوِّر، والزانية، والنائحة، والدلاّل إذا أخذ أُجرته بغير إذن البائع" ٢.
وما سوى ذلك فهو حلال، مثل: أكل الطيِّبات من الزروع والثمار وبهيمة الأنعام، وشرب الأشربة الطيِّبة، ولباس ما يُحتاج إليه من القطن والصوف وغيرهما ممّا أحلّ الله
_________
١ انظر: "الإرشاد إلى طريق النجاة" ص ٤٣ للشيخ عبد الرحمن الحمّاد العمر.
٢ انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب ص ٥٩. وكتاب "الكبائر" للذهبي ص ١١٧.
1 / 19
ورسوله ﷺ، إذا إن اكتسابه بعقد صحيح، كالبيع، أو ميراث، أو هِبة، أو غنيمة.
فالحلال بيِّن، والحرام بيِّن، والحلال ما أحله الله ورسوله ﷺ، والحرام ما حرّمه الله ورسوله ﷺ.
وقد أحل الله لنا الطيِّبات النافعة، وحرّم الخبائث الضارّة؛ رحمةً بنا، وإحسانا إلينا، وقد أنزل الله على نبيِّه الكتاب، وبيّن فيه للأمّة ما تحتاج إليه من حلال وحرام. كما قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ ١، وما قُبض رسول الله ﷺ حتى أكمل الله له ولأمته الدين، كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِينًا﴾ ٢، فما ترك الله ورسوله ﷺ حلالًا إلا مبيّنا، ولا حراما إلا مبيّنا. فلله الحمد على ذلك.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فائدة
الحقوق المالية الواجبة لله تعالى أربعة أقسام:
أحدها: حقوق المال، كالزكاة. فهذا يثبت في الذمة بعد
_________
١ سورة النحل، الآية: ٨٩.
٢ سورة المائدة، الآية: ٣.
1 / 20
التمكّن من أدائه، فلو عجز عنه بعد ذلك لم يسقط، ولم يثبت في الذمة إذا عجز عنه وقت الوجوب، وألحق بهذا زكاة الفطر.
القسم الثاني: ما يجب بسبب الكفّارة، ككفارة الأيمان، والظِّهار، والوطء في نهار رمضان، وكفّارة القتل. فإذا عجز عنها وقت انعقاد أسبابها ففي ثبوتها في ذمّته إلى المَيْسَرة أو سقوطها قولان مشهوران في مذهب الشافعي وأحمد ١.
القسم الثالث: ما فيه معنى ضمان المتلف، كجزاء الصيد. وألحق به: فدية الحلق والطيب واللِّباس في الإحرام، فإذا عجز عنه وقت وجوبه ثبت في ذمّته تغليبا لمعنى الغرامة، وجزاء المتلف، وهذا في الصيد ظاهر. وأما في الطيب وبابه فليس كذلك، لأنه ترفّه لا إتلاف، إذ الشعر والظفر ليسا بمتلفين، ولم تجب الفدية في إزالتها في مقابل الإتلاف، لأنها لو وجبت لكونها إتلافا لتقيّدت بالقيمة، ولا قيمة لها، وإنما هي من باب الترفّه المَحْض، كتغطية الرأس واللبس،
_________
١ أحدهما وهو قول الجمهور: أن الكفّارة لا تسقط بالإعسار كدين الآدمي.
والثاني: أنها تسقط لأن الله تعالى لا يكلِّف نفسا إلا وُسعها ولأن الواجبات تسقط بالعجز عنها ولعلّ هذا القول أولى. انظر: "نيل الأوطار" ج ٤ ص ٢٤٣.
ولأنّ حقوق الله مبنيّة على المسامحة.
1 / 21
فأي إتلاف ههنا؟.
وعلى هذا: فالراجح من الأقوال: أن الفدية في ذلك لا تجب مع النسيان والجهل.
القسم الرابع: دم النسك، كالمتعة والقِرَان. فهذه إذا عجز عنها وجب عنها بدلها من الصيام. فإن عجز عنه ترتّب في ذمّته أحدهما، فمتى قدر عليه لزمه. وهل الاعتبار بحال الوُجوب أو بأغلظ الأحوال؟، فيه خلاف.
وأما حقوق الآدميِّين فإنها لا تسقط بالعجز عنها، لكن إنْ كان عجزه بتفريط منه في أدائها طولِب بها في الآخرة، وأُخذ لأصحابها من حسناته، وإن كان عجزه من غير تفريط، كمن احترق ماله، أو غرق، أو كان الإتلاف خطأ، مع عجزه عن ضمانه. ففي إشغال ذمّته به وأخذ أصحابها من حسابه نظر. ولم أقف على كلام شافٍ للناس في ذلك.
والله تعالى أعلم ١.
فائدة
كفّارة اليمين: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام. كما في سورة المائدة، آية رقم: ٨٩.
_________
١ نقلًا من "بدائع الفوائد" لابن القيم، (ج ٤، ص٣٣ ٣٤.
1 / 22