ذكر وصف النبي ﷺ
إن علماء السيرة وصفوا سيدنا الحبيب ﷺ أعظم وصف، ومن الصحابة من وصف خلقته ﷺ وشكله العام، كالصحابي الجليل هند بن أبي هالة وهو ابن السيدة خديجة من زوجها الأول، فـ أبو هالة كان متزوجًا السيدة خديجة وأنجب منها هندًا، وهند اسم يطلق على الرجل والمرأة.
قال الحسن بن علي ﵁: صف لي رسول الله ﷺ يا خال! وهذا من أدب الحسن، فـ هند ابن السيدة خديجة ﵂، وفاطمة أيضًا بنت السيدة خديجة، فهو أخو السيدة فاطمة من أمها، فلما أراد الحسن من هند بن أبي هالة أن يصف له رسول الله ﷺ قال له: يا خال.
والصحابي الجليل هند استشهد في موقعة الجمل وهو يحارب في صف علي كرم الله وجهه، والكلام الذي وصف به النبي ﷺ كلام عربي.
قال: (كان ﷺ فخمًا مفخمًا)، أي: تنظر إليه فتحترمه وله هيبة، (يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة التمام)، وهذا كوصف خالد بن الوليد ﵁ له، قال: كان ﷺ نضاح المحيا، أي: كمن هو خارج من الحمام بعد أن اغتسل، قالوا: يا خالد! حتى في المعركة؟ قال: حتى في المعركة، فأنت حين تنظر إلى العسكري بعد التدريبات، أو عندما يلبس البدلة العسكرية حدث عنه ولا حرج، ويجوز للعسكري أن يصلي بالبيادة، ويجوز له أن يصلي في النعل، فيمسحه هكذا على الأرض بيديه ويذهب للصلاة، بل إن ابن مسعود ﵁ كان يكره أن يخلع المصلي حذاءه فيقول: لو أن الله يسلط عليها سارقًا يسرق نعله، حتى يحرم أن يخلعها مرة أخرى.
قال: (أطول من المربوع وأقصر من المشذب)، والمربوع: الرجل الطويل العادي، فلا هو بالطويل البين ولا بالقصير البين، ومع أنه كان متوسط الطول ﷺ، لكن إذا سار معه أحد أطول منه رأى الرائي أن الرسول ﷺ أطول.
قال: (عظيم الهامة) أي رأسه ﷺ مرفوع، ومؤخر رأسه فيه شيء من الضخامة.
قال: (رجل الشعر إن انفرقت عقيصته فرقها)، رجل الشعر أي: مسترسل ناعم، لو فرقه بيده هكذا افترق، وكان شعره كله أسود.
سيدنا أبو بكر ذات مرة كان يسوي للرسول ﷺ شعره، فقال: عددت لك سبع عشرة شعرة قد شابت يا رسول الله! ولم يزل كذلك ﷺ حتى انتقل للرفيق الأعلى، وقد كان العربي في ذلك الزمن لا يشيب إلا بعد سن السبعين والثمانين، وكان الرسول ﷺ قد شاب وعمره ثلاث وأربعون سنة، فلما سئل عن ذلك قال: (شيبتني هود وأخواتها)، وأخوات هود: التكوير والانفطار والنبأ والانشقاق، وما شاكل هذه السور التي تتحدث عن يوم القيامة وما فيه من الرعب ومصارع السابقين.
قال: (يجاوز شعره شحمة أذنيه)، لطول شعره ﷺ.
قال: (أزج الحواجب) أي: أن الحواجب مقترنة ببعضها وملتصقة.
قال: (أزهر اللون)، أي: أبيض مع شيء من الحمرة، فليس بأبهق، إذ يقال عن الأبهق: عدو الشمس.
قال: (واسع الجبين) أي: جبهته ﷺ واسعة.
قال: (أقنى العرنين)، يعني: أنفه ﷺ طويلة فلا هي عريضة ولا معكوفة ولا مائلة، وإنما أقنى العرنين ﷺ.
قال: (له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أن الشمس تطل من جبينه) لضيائه وإشراقه ﷺ.
قال: (كث اللحية، سهل الخدين)، يعني: ليس كلثومًا، والكلثوم: ذات الوجه المدور الممتلئ.
وكان سيدنا الحبيب ﷺ سهل الخدين.
قال: (ضليع الفم) أي: كان ﷺ إذا تكلم خرج الكلام من كل فمه.
وتصفه السيدة عائشة فتقول: (كأن كلماته حبات در انتظمت في عقد)، أي: كالحبات في العقد منتظمة واحدة فواحدة.
قالت: (كان لا يسرد كلامه كسردكم) أي: كان يخرج منه الكلام واضحًا يفهمه الأعرابي.
حتى إن الأعرابي إذا نظر إلى وجهه ﷺ يقول: (والله ما هذا بوجه كذاب).
قال هند ﵁: (مفلج الأسنان)، أي: أسنانه ليست ملتصقة ببعضها، ولم يكن على أسنانه بقايا أكل ﷺ، وكان رغم ذلك يستاك قبل الصلاة، قال رسول الله ﷺ: (ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).
ومن الناس من إذا لم يجد السواك أدخل إصبعه في فمه وهذا غلط؛ فالإصبع ليس بسواك إنما السواك بالمسواك؛ لأن المسواك فيه مواد كيميائية قادرة على قتل أي نوع من البكتيريا في فمك بفضل الله رب العالمين، ومن كانت نفسيته ضعيفة لا تتحمل الفرشة، لو استخدم السواك لكان الشفاء إن شاء الله.
قال: (دقيق المسربة)، أي: شعر ما تحت السرة.
قال: (كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك)، بادن يعني: ليس نحيفًا، ومتماسك أي: ثابت جسمه عند مشيه لا يهتز.
قال: (سواء البطن والصدر) يعني: صدره مستو مع بطنه.
قال: (عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس)، أي: العظم الذي في ناحية الصدر.
قال: (أنور المتجرد) أي: إذا انكشف عضو من جسمه أضاء، ﷺ.
قال: (عاري الثديين والبطن) أي: عار من الشعر.
قال: (طويل الزندين) أي: الذراعين.
قال: (رحب الراحة) أي: يده واسعة.
قال: (سائل الأطراف) أي: أصابعه منسالة، فلا إصبع صغيرة ولا إصبع طويلة.
قال: (مسيح القدمين) أي: أن رجليه لينتان وناعمتان، وبواطن أصابعه منحطة على الأرض.
قال: (إذا زال زال قلعًا) يعني: إذا مشى كأنه يأخذ رجليه من رمل، وكأنما تطوى له الأرض طيًا، وكأنما ينصب من علو، ولذلك كان يرأف بالصحابة رضوان الله عليهم، فكان يأمرهم أن يمشوا قدامه ويقول: (دعوا ظهري لملائكة ربي).
قال: (يمشي هونًا، إذا التفت التفت جميعًا) يعني: كان يلتفت بجميع جسمه إذا أراد أن يكلم أحدًا.
قال: (خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة).
هذا وصف سريع لـ هند بن أبي هالة لسيدنا الحبيب المصطفى ﷺ.
3 / 7