Universal Religion and the Method of Its Preaching
الدين العالمي ومنهج الدعوة إليه
خپرندوی
مجمع البحوث الإسلامية
د خپرونکي ځای
القاهرة - جمهورية مصر العربية
ژانرونه
الدين العالمي ومنهج الدعوة إليه
تأليف
فضيلة الشيخ عطية صقر
عضو مجمع البحوث الإسلامية
سلسلة البحوث الإسلامية
السنة الثامنة عشرة - الكتاب الخامس
ناپیژندل شوی مخ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم
للأستاذ الدكتور عبد الفتاح عبد الله بركة الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فنقدم للقراء الطبعة الثانية من كتاب:
"الدين العالمى ومنهج الدعوة إليه"
الذى يتحدث عن عالمية الدين الإسلامى وصلاحيته لكل زمان ومكان، على الرغم من أن الرسول الذى أرسل به عربى، والكتاب الذي أنزل عليه أنزل باللسان العربى، فهو ﵊ كما قال عنه ربه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، والكتاب كما قال عنه سبحانه: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾.
1 / 3
وهذا الكتاب الذى نقدمه يؤكد هذه الحقيقة بما لا يدع مجالا للشك؛ وذلك من واقع النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية ليزداد المؤمن إيمانا، ومن واقع العوامل الذاتية التى رشحت هذا الدين ليكون دينا عالميا، وليكون حجة الله على من يتطلعون إلى دين يلائم الطبيعة البشرية، ويساير تطور الحياة الفكرية والعملية، ومن الواقع التاريخى الذى أثبت جدارة الإسلام بهداية البشرية إلى أقوم الطرق، حيث تقبلته كل الأجناس، وعاش فى كل البيئات، وما يزال غضا طريا على الرغم من تعاقب الأجيال.
والكتاب ينبه إلى خطر الجبهات التى تحاول أن تقلص من ظله، وتحد من مده، وسنرى من خلالها أن بعض المعاصرين يثيرون من الشبهات ما أثاره الأعداء منذ مئات السنين، وتكاد الألفاظ التى تجرى على ألسنتهم تطابق تماما ما قاله أولئك المغرضون.
وهو إذ يبرز أن الإسلام هو الدين العالمى الوحيد الذى يلبى حاجة الإنسانية فى هذا العصر وفى جميع العصور، لم ينس أن يصنع المنهج الصحيح للدعوة إليه، من واقع النصوص وهدى السلف وتجارب العصر، حتى لا يقحم نفسه على الدعوة من ليس أهلا لها، وحتى لا تشوه الصورة النقية للإسلام من سلوك بعض من لا يحسنون الدعوة إليها.
1 / 4
والكتاب فى صورته المصغرة المنتقاة من مؤلف ضخم فى هذا الموضوع، شاهد صدق من الشواهد الكثيرة على أن الأزهر الذى ظل منارة الثقافة الإسلامية أكثر من ألف عام، لم يغب عن الساحة مطلقًا، فهو بجميع هيئاته حاضر يتفاعل مع الأحداث، ويشق طريقه فى الإصلاح بكل ثقة وصبر ومصابرة راجيا من الله المثوبة، وداعيا للأمة الإسلامية أن يلهمها الله الرشد حتى تعود إلى الدين الذى يخرجهم من الظلمات إلى النور، وصدقا الله العظيم إذ يقول: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ وبالله التوفيق،،،
الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية
أ. د/ عبد الفتاح بركة
1 / 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد اقتضت حكمة الله تعالى ألا يدع عباده يسيرون فى الحياة على غير هدى، ولا أن يتركهم لعقولهم التى قد تغلبها الأهواء فتضل وتغوى، فأرسل إليهم رسلا حدد مهمتهم بقوله: "رسلا مبشرين ومنذرين" (١)، وبين حكمة إرسالهم بقوله: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ (٢)، وكان فى كل جماعة من الجماعات البشرية الهامة من يرشدها كما قال سبحانه: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (٣)، وكان هؤلاء المرشدون من الكثرة بحيث قال الله فيهم: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ﴾ (٤)، على ما تفيده "كم" الخبرية من التكثير، وكفانا مئونة عدهم فقال:
_________
(١) و(٢) سورة النساء: ١٦٥.
(٣) سورة فاطر: ٢٤
(٤) سورة الزخرف: ٦
1 / 6
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ (١)، وبين المقصد اللأكبر من "بعثهم فقال: "ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" (٢)، فقد وجهوا اهتمامهم أولا إلى إصلاح العقيدة ثم إلى إصلاح ما يرونه فى حاجة إلى إصلاح من السلوك.
ومما لا شك فيه أن البشرية فى تغير دائم ورقى مستمر، وأن المشاكل تزداد تعقدا كلما تعقدت الحياة وكثرت مطالبها، ولهذا كانت النظم والشرائع التى جاءت بها الرسل فى تغير وتطور، ما يصلح منها لجماعة لا يصلح لأخرى كما قال سبحانه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ (٣).
والقرآن الكريم حين تحدث عن هذه الرسالات تحدث عنها فى إطار الخصوصية للأمم التى جاءت اليها، فكل رسالة للأمة لا تكلف بها أمة أخرى، وكل شريعة ينتهى عهدها بانتهاء من جاء بها، كما قال سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ (٤).
_________
(١) سورة غافر: ٧٨
(٢) سورة النحل: ٣٦
(٣) سورة المائدة: ٤٨
(٤) سورة الصف: ٦
1 / 7
وكانت الإنسانية من عهد بعيد تستعد لطور جديد من الرقى الفكرى والاجتماعى، وإلى رسالة تتناسب مع ما بلغته من نضج ورشد، كما كان العالم قبيل ظهور الإسلام فى حاجة ماسة إلى من يأخذ بيده مما ارتكس فيه من ضلال، والى رسول تقوم دعوته على الأصول الإنسانية العامة التى تتخطى حواجز الجنس والبيئة والزمن والفوارق العارضة الأخرى، وعلى الإصلاح الشامل الذى يأسو كل جراح، ويروى كل ظمأ، ويحل كل عقدة، ويعالج كل مشكلة، وعلى تنظيم دقيق يساعد كل حى على أن يأخذ حقه فى الحياة فى عدالة تامة ومساواة شاملة، وحرية كاملة، وفى ظل من الأخوة والرحمة والمحبة والتعاون، وعلى منهج يصحح العقيدة، ويقوم الفكر، ويصلع الفاسد من السلوك، ويضع قواعد الاجتماع ونظام الحكم على أساس سليم. فكانت رسالة الإسلام، وكان محمد ﷺ، كانت رسالة الإسلام العامة الخالدة، الصالحة لكل زمان ومكان، وكان محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.
وسأحاول فى هذا البحث أن أجلح فى اختصار بالغ -عالمية الدين الاسلامى، وكيف انتشر نوره، واستفاد العالم من هدايته، وما يجب علينا إزاء الدعوة إليه
1 / 8
فى كل أقطار العالم، تحقيقا لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ (١).
والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه، وأن يوفقنا للعمل بما فيه، إنه سميع مجيب،،،
عطية صقر
_________
(١) سورة الفتح: ٢٧
1 / 9
معنى عالمية الدين
الدين هو الوضع الإلهى الذى اختاره الله لعباده ليصلحهم فى الحياتين، ويكون عالميا بعدم اختصاصه بجنس من الأجناس البشرية، وبعدم انحصار تطبيقه فى إقليم خاص أو بيئة معينة، وبامتداد هدايته أزمانا طويلة تتجاوز العصر الذى بدأت فيه، بمعنى أن يكون الدين صالحًا لكل جنس وكل جيل، أو لكل زمان ومكان، أو بمعنى آخر أن يكون الدين شريعة الإنسان من حيث هو إنسان، بقطع النظر عن العوامل والفوارق العارضة، التى لا تدخل فى ماهية الإنسان كإنسان، وبدون ذلك لا يتحقق معنى العالمية فى أى دين.
فهو لا يكون دين جنس تميزه فصيلة الدم، أو سمة اللون، أو ظاهرة اللغة، بل دينا لا يفرقا بين العربى والعجمى والحبشي والرومى، ولا بين الأبيض والأسود والأحمر والأصفر، ولا يمنع من أن يستظل بلوائه متكلم بأية لغة من اللغات، وهو لا يكون دينا محليا تحده حدود جغرافية واعتبارات إقليمية، بل يصلح لكل البيئات وكل الأجواء ويتناسب مع كل بقعة زراعية وصناعية وتجارية، برية وبحرية، بدوية
1 / 10
وحضرية على اختلاف المستويات المادية والاعتبارات الأخرى.
وهو لا يكون دينا عالميا إلا إذا صحب الإنسان فى جميع أزمانه المتطورة، وعصوره المتلاحقة، بمعنى أن يكون خالدا لا يعتريه نسخ أو زوال، ولا عقم أو جمود، موفيا بجميع مطالبه المتنوعة المتجددة في الميادين السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وفى كل الميادين التى يزاول فيها الإنسان بعقله الواسع نشاطه الكامل من كل نوع.
ولا يوجد دين من الأديان السماوية أو الوضعية فيه هذه المواصفات التى تجعله عالميا إلا دين الإسلام، فالدينان السماويان الكبيران وهما اليهودية والنصرانية، كل منهما خاص بقومه وبعصره.
فاليهودية لا تصلح أن تكون دينا عالميا لأنها مرتبطة بشعب معين تعرض للتشريد غير مرة، تقوم حياته على العصبية الحادة والعنصرية الجامحة، ذلك أنهم يحاولون أن يستأثروا بعبادة إله وصفوه بأوصاف خاصة، ويعتقدون أنهم شعب الله المختار وأن غيرهم أميون، ويستبيحون من غيرهم ما لا يستبيحون من أنفسهم كالربا، فهل مثل هذا الدين يصلح أن يكون عالميًا؟ .
1 / 11
على أنه لا يوجد نص فى التوراة يتحدث عن هذه العالمية، فهى دين أسرة بشرية واحدة هى بنو إسرائيل وهم يكرهون أن يدخل بينهم غير عنصرهم. يقول المسيو (جوليان ويل) حاخام باريس فى كتابه (اليهودية): يجب على كل ربانى أن يرد كل طالب الدخول فى عهد إبراهيم ثلاث مرات، لافتا نظره إلى الصعوبات التى سيصادفها، والتكاليف الشاقة التى سيتحملها، والأخطار التى سيتعرض لها، فإذا أصر على طلبه وتحقق الربانى أن الدواعى التى تحدوه للتهود طاهرة ونزيهة فيمكنه أن يقبله فى حظيرة البيعة. ثم قال: هذا التحفظ فى أمر طالبى التهود دعت إليه طبيعة اليهودية ونظامها الخاص الذى لا يقصد به إلا الإسرائيلى بأدق معانى هذه الكلمة، وأوجبه كذلك ما فى اليهودية من التكاليف الكثيرة التى يستدعى العمل بها نكران الذات والأخشيشان والثبات والشجاعة وأحيانا البطولة أيضًا (١).
وغاية ما يتمسك به اليهود فى ادعاء عموم رسالتهم ما ورد فى كتابهم من أن بنى إسرائيل سيكونون محكمين للأمم، ومربين للشعوب القوية، وأنه -قبيل قيام الساعة- سيتفق العالم كله على عبادة الله اتباعا
_________
(١) مجلة الأزهر: المجلد ٨ ص ٢٤١، ومجلد ١٠ ص ٤٨٧.
1 / 12
لديانة بنى إسرائيل، إذ يكونون قد عقدوا مع الخالق عهدا جديدا، فيضطر الناس إلى القيام عليه.
لكن هذا القول يثبت أن دينهم لا يصلح الآن، ولا فى عهده الأول لقيادة البشر عامة، بل سيكون ذلك، على زعمهم، قبيل قيام الساعة، على فرض صحة هذه النصوص. وأنى لها أن تكون صحيحة وقد حكم القرآن بأنهم حرفوا الكلم عن مواضعه، وبدلوا كتاب الله، وغيروا معالمه؛ لقد استبدلوا به (تلمودا) مملوءا بالتعاليم الشاذة القائمة على الفساد والإفساد ليبسطوا نفوذهم على العالم كله بأية وسيلة تكون.
ولو نظرنا إلى المسيحية لرأينا أنها عند تقرير العقيدة لا تعتمد على الدليل المقنع، بل توجب أن تؤخذ بالتسليم المطلق، والعقول فى تطورها جريا على سنن الله الكونية، تأبى أن تظل حبيسة التقليد أو التلقين.
كما أنها تنادى بالزهد البالغ والرهبانية الشديدة، وتحرم الأغنياء أن يدخلوا ملكوت السموات، ويعقب على هذا أحد كتابهم وهو "الدكتور نظمى لوقا" فى كتابه "محمد، الرسالة والرسول" فيقول: وهذا السلوك لا يصلح له كل قلب، ولم تنضج البشرية
1 / 13
نضوجا تاما متساوقا، ليمكنها أن تتلقى هذا التعليم، فلا يصلح لذلك إلا الأفذاذ من الناس. أما السواد الأعظم فللحس على قلوبهم أبدا سلطان غير مجحود ولا مردود (١).
وفى المسيحية تسامح متناه وعفو واسع، ومن المعلوم أن امتثال هذه الأوامر يتعذر على غير الأذلة المستضعفين من الناس، وقد يكون من أكبر المفاسد بإغراء الأقوياء بالضعفاء الخاضعين.
وكانت هذه السياسة صالحة لتقاوم بها عوامل التنافس والصراع المادى اليهودى، ولا تصلح لعمران يراد له أن يطمئن على حقوقه ومقدساته.
على أن سيدنا عيسى ﵇ بدأ دعوته ببنى إسرائيل خاصة، كما جاء فى إنجيل متى وهو يقص محاورة المرأة الكنعانية لعيسى، وهى غير إسرائيلية، فأجاب عيسى وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة (٢). فليس فى المسيحية نص على عالميتها، وما نشطت الدعوة إليها إلا بعد اعتناق الرومان لها، وقد بقيت نحو ثلاثة قرون محصورة فى طوائف مبعثرة، ولم تقم لها دولة إلى أن تولى
_________
(١) ص ٥٧ - ٥٩
(٢) اصحاح ١٥: ٢١ - ٢٩
1 / 14
الامبراطورية الرومانية (قسطنطين الأول) وكانت أمه قد ربته على المسيحية فحمل قومه عليها، وأمر بتحطيم الهياكل والمعابد الوثنية، واعتبر النصرانية دينا رسميا للإمبراطورية (٢٧٤ - ٣٣٧ م). ومن ذلك الحين قام النصارى بإرسال بعثات التبشير إلى البلاد النائية.
وإذا كان هذا شأن الدينين الكبيرين بعد الإسلام، فأولى بعدم العالمية الأديان الأخرى.
1 / 15
الإسلام هو الدين العالمى
هذه قضية لابد لها من أدلة تدعمها وشواهد تثبتهما، وسأحاول أن أجعلها فى مجموعات ثلاثة: مجموعة الأدلة النقلية، ومجموعة الأدلة الذاتية، ومجموعة الأدلة الواقعية.
وأعنى بالمجموعة الأولى، الأدلة الواردة فى الكتاب والسنة من قول النبي ﷺ وفعله، وهى التى يقتنع بها المؤمنون المصدقون بهما، وهؤلاء فى غير حاجة إلى إيرادها لأن العقيدة الدينية لا تدع فى قلوب المؤمنين مجالا للشك في هذه القضية، وإلا كان كفرا. ولكننا نوردها لنزيدهم إيمانا، وليعرفها من يجهلها، ولنرد بها على من طعنوا فى الإسلام بأن عالميته من اختراع أتباعه، لا من نصوصه.
ومجموعة الأدلة الثانية أقصد بها المقومات الأساسية والعوامل الرئيسية التى اشتمل عليها الدين، وهذا الأسلوب فى الاستدلال يعتمد على فقه الموضوع وتحليل نصوص الدعوة، وتلمس النواحى المشرقة الحية فى مبادئها، وربطها بواقع الحياة وسنن الكون، وبيان مقدار ملاءمتها للسلوك الإنسانى فى جميع أطواره،
1 / 16
وعلى مدى عصوره وأزمانه، وهذه المجموعة من الأدلة القائمة على هذا المنهج تفيد الباحثين من الأجانب عن الإسلام، وتفيد فى الرد على المتشككين فى صلاحيته لقيادة البشرية قيادة رشيدة.
والواقع التاريخى الذى جعلناه دليلا على عالمية الدين يعتبر تطبيقا لمبادئ هذه الدعوة وبيان حسن إنتاجها فى الحقل الذى زرعت فيه، وهى دليل صدق على فاعلية الأدلة الذاتية الموجودة فى المجموعة الثانية، وهذه الأدلة كلها متضامنة فى إثبات صدق هذه القضية، وهى عالمية الدين الإسلامى، وإليكم الحديث عن هذه الأدلة بنوع من التفصيل.
الأدلة النقلية على عالمية الدين الإسلامى:
١ - من القرآن. جاءت آيات مكية تدل على أن وصف العالمية لازم الدعوة الإسلامية من أيامها الأولى، وترد على من زعموا أن عالمية الإسلام فكرة لم تكن عند محمد حين أرسل به، بل جاءت فى عهد خلفائه الذين تاقوا إلى القتال والتوسع بالفتوح، كما ردد ذلك "وليم موير" فى كتابه عن "الخلافة" (١) وردده
_________
(١) تاريخ للدعوة لأرنولد ص ٤٩، ٥٠
1 / 17
أيضًا "ساوندوز" المحاضر الأول للتاريخ في جامعة كنتر برى بزيلندة الجديدة، ونشرته مجلة التاريخ المعاصر في مارس وإبريل سنة ١٩٦١ (١) ومن هذه الآيات ما يأتى:
١ - قوله تعالى: ﴿وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ (٢).
٣ - قوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ (٣).
٣ - قوله تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ (٤)
٤ - قوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (٥).
ومعنى من كان حيا، كل من ثبت له الحياة، ولفظ "من" من صيغ العموم.
٥ - قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ (٦).
_________
(١) مجلة الأزهر مجلد ٣٣ ص ٢٢٠
(٢) سورة القلم: ٥٢
(٣) سورة التكوير: ٢٧، يوسف ١٠٤، الأنعام ٩٠
(٤) سورة الأعراف: ١٥٨.
(٥) سورة يس: ٦٩، ٧٠
(٦) سورة الفرقان: ١
1 / 18
٦ - قوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ (١).
ومعنى "من بلغ" من وصل حد التكليف من أى جنس ولون، أو من بلغه القرآن من غير المخاطبين به عند نزوله.
٧ - قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (٢).
٨ - قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ (٣).
فأم القرى هى مكة، ومن حولها يشمل كل الناس، غير المقيمين فيها، فكل حي على وجه الأرض مقيم حول مكة، فهى مركز الدائرة، وقطرها ممتد بين كل نقطتين على المحيط العالمى.
٩ - قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (٤).
هذه هى معظم الآيات المكية وتضاف إليها الآيات المدنية التالية.
_________
(١) سورة الأنعام: ١٩
(٢) سورة سبأ: ٢٨
(٣) سورة الشورى: ٧
(٤) سورة الأنبياء: ١٠٧
1 / 19
١ - قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ (١).
فالدعوة فيها موجهة إلى اليهود والنصارى وهم أهل الكتاب وإلى غيرهم من الحرب الذين يطلق عليهم الأميون.
٣ - قوله تعالى: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ...﴾ (٢).
٣ - قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ (٣). فكل إنسان لا يدين بدين الإسلام لا يقبل منه ما دان به، فهو دين الجميع.
٢ - قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (٤).
(ب) من السنة، إلى جانب السنة الفعلية حين بلغ الرسول الدعوة جاءت النصوص القولية الآتية:
١ - (كان كل نبى يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود) (٥).
_________
(١) سورة آل عمران: ٢٠
(٢) سورة آل عمران: ٦٤
(٣) سورة آل عمران: ٨٥
(٤) سورة التوبة: ٣٣، الفتح: ٢٧
(٥) رواه البخارى ومسلم.
1 / 20
وجاء بروايات مختلفة، فى بعضها (وبعثت إلى الناس عامة)، (وبعثت إلى الخلق كافة).
٣ - (إنى رسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس كافة) (١)، وكان ذلك فى إحدى الخطب الأولى بمكة.
٣ - فى كتاب النبي ﷺ إلى جيفر وعبدا بنى الجلندي ملكي عمان قوله (فإنى رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين) (٢).
٤ - فى حديث البراء بن عازب عند حفر الخندق في غزوة الأحزاب، وقد اعترضت المسلمين صخرة وهم يحفرون جاء قوله (فاشتكينا ذلك للنبي ﷺ، فجاء وأخذ المعول فقال: بسم الله. ثم ضربه فنشر ثلثها). وفى رواية: (فخرج نور أضاء ما بين لابتى المدينة وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إنى لأرى قصورها الحمر الساعة من مكانى هذا. قال: ثم ضرب الثانية فقال: بسم الله فقطع ثلثا آخر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إنى لأبصر قصر المدائن الأبيض وفي رواية: لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب من مكاني هذا: وأخبرنى جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضرب
_________
(١) رواه البخارى وكتب المسيرة.
(٢) المواهب للقسطلانى ج ١ ص ٢٢٥
1 / 21