107

كشف شبهات الصوفية

كشف شبهات الصوفية

خپرندوی

مكتبة دار العلوم

د خپرونکي ځای

البحيرة (مصر)

ژانرونه

كذلك، فإن هذا التوحيد وهو المعروف عند العلماء بتوحيد الربوبية، كان يؤمن به المشركون الذين بعث إليهم رسول الله ﵌ كما قال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (لقمان:٢٥)، ومع ذلك فلم ينفعهم هذا التوحيد شيئًا، لأنهم كفروا بتوحيد الألوهية والعبادة، وأنكروه على النبي ﵌ أشد الإنكار، بقولهم فيما حكاه الله عنهم: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ (ص:٥). ومن مقتضيات هذا التوحيد الذي أنكروه ترك الاستغاثة بغير الله، وترك الدعاء والذبح لغير الله، وغير ذلك مما هو خاص بالله تعالى من العبادات، فمن جعل شيئًا من ذلك لغير الله ﵎ فقد أشرك به، وجعل له ندًا وإن شهد له بتوحيد الربوبية، فالإيمان المنجي إنما هو الجمع بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإفراد الله بذلك. فإذا تبين هذا نعلم أن الإيمان الصحيح غير راسخ في نفوس كثير من المؤمنين بتوحيد الربوبية. الوجه الثاني: أن النبي ﵌ حذر من اتخاذ المساجد على القبور في آخر حياته، بل في مرض موته، فمتى زالت العلة التي ذكروها؟ إن قيل: زالت عقب وفاته ﵌ فهذا نقض لما عليه جميع المسلمين أن خير الناس قرنه ﵌؛ لأن القول بذلك يستلزم - بناء على كلامهم - أن الإيمان لم يكن قد رسخ بعدُ في نفوس الصحابة ﵃، وإنما رسخ بعد وفاته ﵌! ولذلك لم تزل العلة وبقي الحكم، وهذا مما لا أتصور أحدًا يقول به لوضوح بطلانه. وإن قيل: زالت قبل وفاته ﵌، قلنا: وكيف ذلك وهو ﵌ إنما نهى عن ذلك في آخر نَفَسٍ من حياته؟! الوجه الثالث: أن الصحابة ﵃ إنما دفنوه في حجرته ﵌ خشية أن يتخذ قبره مسجدًا، كما تقدم عن عائشة ﵂، فهذه خشية إما أن يقال: إنها كانت منصبة على الصحابة أنفسهم، أو على من بعدهم: فإن قيل بالأول، قلنا فالخشية على من بعدهم أولى، وإن قيل بالثاني، وهو الصواب عندنا، فهو دليل قاطع على أن الصحابة ﵃ كانوا لا يرون زوال العلة المستلزم زوال الحكم، لا في عصرهم ولا فيما بعدهم، فالزعم بخلاف رأيهم ضلال بَيِّن. الوجه الرابع: أن العمل استمر من السلف على هذا الحكم ونحوه، مما يستلزم بقاء العلة السابقة، وهي خشية الوقوع في الفتنة والضلال، فلو أن العلة المشار إليها كانت منتفية لما استمر العمل على معلولها. مثال على ما ذكرنا: عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﵌؟ أن لا تدع تمثالًا إلا طمسته، ولا قبرًا مشْرِفًا إلا سويته. (رواه مسلم). الشبهة السابعة: روى ثابت البناني عن أنس ﵁ عنه قال: «كنت أصلي قريبًا من قبر، فرآني عمر بن الخطاب، فقال: القبر القبر. فرفعت بصري إلى السماء وأنا أحسبه يقول: القمر!». قال الألباني: رواه أبو الحسن الدينوري في (جزء فيه مجالس من أمالي أبي الحسن القزويني) بإسناد صحيح، وعلقه البخاري، ووصله عبدالرزاق أيضًا في (مصنفه) وزاد: (إنما أقول القبر: لا تُصَلّ إليه). الجواب: هذا الأثر دليل على إنكار الصحابة ﵃ الصلاة بالقبور. وأنس ﵁ لم يعلم أن هناك قبرًا. فلما علم أنه قبر تنحى عنه. قال الحافظ ابن حجر:. .. الْأَثَر الْمَذْكُور عَنْ عُمَر رَوَيْنَاهُ مَوْصُولًا فِي كِتَاب (الصَّلَاة) لِأَبِي نُعَيْمٍ شَيْخ الْبُخَارِيّ وَلَفْظه: «بَيْنَمَا أَنَس يُصَلِّي إِلَى قَبْر نَادَاهُ عُمَر: الْقَبْر الْقَبْر، فَظَنَّ أَنَّهُ يَعْنِي الْقَمَر، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ يَعْنِي الْقَبْر جَازَ الْقَبْر وَصَلَّى» وَلَهُ طُرُق أُخْرَى بَيَّنْتهَا فِي (تَعْلِيق التَّعْلِيق) مِنْهَا مِنْ طَرِيق حُمَيْدٍ عَنْ أَنَس نَحْوه وَزَادَ فِيهِ: «فَقَالَ بَعْض مَنْ يَلِينِي: إِنَّمَا يَعْنِي الْقَبْر، فَتَنَحَّيْت عَنْهُ». وَقَوْله: «الْقَبْر الْقَبْر» بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى التَّحْذِير». الشبهة الثامنة: أين كانت عائشة ﵂ تصلي بعد أن دفن في بيتها رسول الله ﵌ وغيره، في داخل بيتها أم خارجه؟ الجواب: إن عائشة ﵂ ممن روى الأحاديث الثابتة عن الرسول ﵌ في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وهذا من حكمة الله ﷿. وبهذا يعلم أنها ما كانت تصلي في الحجرة التي فيها القبور؛ لأنها لو كانت تصلي فيها لكانت مخالفة للأحاديث التي روتها عن رسول الله ﵌، وهذا لا يليق بها، وإنما تصلي في بقية بيتها. ومن ادعى خلاف ذلك فليأت بالدليل. تنبيه: ليس في إقامة القبة على قبر النبي ﵌ حجة لمن يتعلل بذلك في بناء قباب على قبور الأولياء والصالحين؛ لأن إقامة القبة على قبره لم تكن بوصية منه ولا من عمل أصحابه ﵃ ولا من التابعين ولا أحد من أئمة الهدى في القرون الأولى التي شهد لها النبي ﵌ بالخير، إنما كان ذلك من أهل البدع، وقد ثبت أن النبي ﵌ قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وثبت عن علي ﵁ أنه قال لأبي الهياج الأسدي: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﵌؟ ألا تدع تمثالًا إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته» (رواه مسلم)؛ فإذا لم يثبت عنه ﵌ بناء قبة على قبره، ولم يثبت ذلك عن أئمة الخير، بل ثبت عنه ﵌ ما يبطل ذلك - لم يكن لمسلم أن يتعلق بما أحدثه المبتدعة من بناء قبة على قبر النبي ﵌.

1 / 124