[84_2]
لأحد قبل أن يتم له نحو خمس وعشرين سنة.
وإذا قدرنا أن مقتل ابن المقفع كان سنة اثنتين وأربعين أو ثلاث وأربعين ومئة، فيكون عمره يوم قتل في نحو الستين، خلافا لمن قالوا إنه قتل وهو ابن ست وثلاثين. وهذا التقدير منقوض بالبداهة، إذ لا يعقل أن يخلف ابن المقفع هذه الكنوز العظيمة من كتبه وكتاباته، وهو ميعة الشباب، وأن تجمع النفوس على الاعتراف بتقدمه في صناعته، قبل أن تعلو به السن في الجملة، وأن تتهيأ له هذه التجارب العظيمة في الحياة وهو لم يتعد العقد الرابع.
وكما نحن في شك قليل من سنة مولد ابن المقفع، لا نعلم بالتحقيق أين تلقى تعليمه الأولي، في جور أم في البصرة. والأرجح أنه كان في جور، إذ من الصعب أن يتثقف الثقافة الفارسية التي تثقفها في البصرة، وهي المدينة العربية بكل مناحيها، والأرجح أن والده توطن البصرة بعد أن أصبح ابنه عبد الله يافعا، وأخذ الفصاحة عن أبي الجاموس ثور بن يزيد الأعرابي، وكان يفد البصرة على آل سليمان بن علي. وحرص المبارك على تأديب ولده عبد الله، فكان يجمع له العلماء. ولنا أن نقول إن البصرة كانت موطن درسه، ومدينة جور مسقط رأسه.
نشأ ابن المقفع بين ظهراني علماء أجلاء من المسلمين، وعرف الإسلام منذ عقل، أكثر من معرفته دين المجوس أتباع زرادشت. وغاية ما كان له من صلة بهذا الدين، أنه رأى أهل بيته على دين المجوس، وهو مولود في بيت مجوسي. ودعته البيئة التي عاش فيها إلى أن يلقي نظرة على المجوسية التي انتقلت إليه بالألف والعادة. ونظر في الإسلام الذي لقنه في الحداثة بالتربية والعشرة، ومازج أهله وسمع أعلام علمائه، فمالت نفسه إلى أن يدين به، فجاء إلى عيسى ابن علي وكان كاتبه، وقال له: دخل الإسلام في فلبي وأريد أن أسلم على يدك، فقال له عيسى: ليكن ذلك غدا بمحضر من القواد ووجوه الناس، ثم حضر طعام عيسى عشية ذلك
مخ ۸۴