[57_2]
شهامتها، مظهرة للعامة فضلهم، مذيعة حسن الذكر عنهم، ولم يبلغ بهم الصيت في الحنكة مستمعا يدفعون به عن أنفسهم نواطق ألسن أهل البغي، ومواد أبصار أهل الحسد.
وعاد بعد أن حذره من الخفة في المواكب، ومداعبة من يساسره بالتضاحك إليه، يريده على أن يستعمل الجد في حركاته، بحيث لا تتقلقل جوارحه، ويحذره من السعاية، ويدله على الطريقة في معاملة النمامين، وعلى الترفع عن الجواسيس وصورة معاملتهم لا يأخذ منهم إلا ما ينفع الدولة فقط؛ ونهج له السبيل السوي في معاملة أصحاب الحاجات، فقال: واعلم أن قوما سيسرعون إليك بالسعاية، ويأتونك من قبيل النصيحة، ويستميلونك بإظهار الشفقة، ويستدعونك بالإغراء والشبهة، ويوطئونك عشوة الحيرة، ليجعلوك ذريعة لهم إلى استئكال العامة، بموضعهم منك في القبول منهم، والتصديق لهم على من قرفوه بتهمة، أو أسرعوا بك في أمره إلى الظنة، فلا يصلن إلى مشافهتك ساع بشبهة، ولا معروف بتهمة، ولا منسوب إلى بدعة، فيعرضك لابتداع في دينك، ويحملك على رعيتك ما لا حقيقة فيه، ويلحمك أعراض قوم لا علم لك بدخلهم، إلا بما أقدم به عليهم ساعيا، وأظهر لك منهم متنصحا.
وليكن صاحب شرطك، ومن أحببت أن يتولى ذلك من قوادك، إليه انتهاء ذلك وهو المنصوب لأولئك، والمستمع لأقاويلهم، والفاحص عن نصائحك، ثم لينه ذلك إليك على ما يرتفع أليه منه، لتأمره بأمرك فيه، وتقفه على رأيك، من غير أن يظهر ذلك للعامة، فإن كان صوابا نالتك حظوته، وإن كان خطأ أقدم به عليك جاهل، أو فرطة سعى بها كاذب، فنالت الساعي منها أو المظلوم عقوبة، أو بدر منك إليه عقوبة ونكال، لم يصعب ذلك الخطأ بك، ولم تنسب إلى تفريط، وخلوت من موضع الذم فيه، محضرا إليه ذهنك وصواب رأيك، وتقدم إلى من تولى ذلك
مخ ۵۷