[214_2]
كأن ملكة النثر والنظم كانت كالشيء الواحد في نظر الصولي، إن شاء نثر، وإن شاء شعر، والإجادة مكتوبة له في كلتا الوجهتين، وما كان شعره لولا أوزانه وقوافيه إلا نثرا، وبعمل قليل يحال نثره شعرا وشعره نثرا. كان إبراهيم بن العباس إن قال الشعر كأنه يخطب أو يكتب، وإذا كتب الكتاب وخطب الخطاب كان كأنه يشعر، فأكذب من قالوا إنه لا إجادة لشاعر في الكتابة، وبحق دعي كاتب في الشعر. فهو إمام في الصناعتين، فرد في الكتابة، وبحق دعي كاتب العراق، وعد زمرة أعاظم الشعراء؛ وهذا من أندر ما وقع لمن عانوا صناعة القلم منذ القديم وإلى اليوم.
يقول المسعودي إنه لا يعلم فيمن تقدم وتأخر من الكتاب أشعر منه، وكان دعبل يقول: لو تكسب إبراهيم بالشعر لتركنا في غير شيء، وتعجب من قوله:
إن امرأ ضن بمعروفه ... عني لمبذول له عذري
ما أنا بالراغب في خيره ... إن كان لا يرغب في شكري
قال ابن رشيق: والكتاب أرق الناس في الشعر طبعا، وأملحهم تصنيعا، وأحلاهم ألفاظا، وألطفهم معاني، وأقدرهم على تصرف، وأبعدهم من تكلف؛ وقد قيل الكتاب دهاقين الكلام، وما نزيدك على قول إبراهيم بن العباس الصولي بين يدي المتوكل حين أحضر لمناظرته أحمد ابن المدبر. فقال ارتجالا:
صد عني وصدق الأقوالا ... وأطاع الوشاة والعذالا
أتراه يكون شهر صدود ... وعلى وجهه رأيت الهلالا
وكان أحمد بن ثعلب يقول إبراهيم بن العباس أشعر المحدثين، وما روي شعر كاتب غيره، وكان بستجيد قوله:
لنا إبل كوم يضيق بها الفضا ... ويغير منها أرضها وسماؤها
فمن دونها أن تستباح دماؤنا ... ومن دوننا أن تستباح دماؤها
مخ ۲۱۴