214

[213_2]

يخلو منها؛ وله معها وقائع وتجنيات، وقال فيها أشعارا كثيرة وكانت هي شاعرة، وكانت تهواه أيضا، فعاتبها وعاتبته، وغازلها وغازلته، وما زالا كذلك حتى فرق الموت بينهما.

وكأن الصولي كان يرى من حقه أن يحب، ومن حقه أن يطرب ويمجن، وأن يسمع الغناء والموسيقي، ويخلع أثواب الوقار في بعض ساعات يومه، وما كان يرى في ذلك بأسا، بل يعتقد أن هذه الملاهي مما يخفف من تعبه، ويزيد في الإمتاع بأدبه. ولقد قال له بعضهم ذات يوم: قد أخملت نفسك ورضيت أن تكون تابعا أبدا، لاقتصارك على القصف واللعب، فأنشأ يقول:

إنما المرء صورة ... حيث حلت تناهت

أنا مذ كنت في الت ... صرف لي حال ساعتي

وهذا سر تخلفه في عمله الإداري، يلقي الحبل على الغارب، ويلتفت لإرضاء نفسه بما تصبو إليه من راحة ونعيم؛ وربما كان ذلك من دواعي معاداته بعض رجال الدولة، ومنهم من كان يريد أن يستوفي مال السلطان منه، فيما يولاه من الأعمال الجليلة، ومنهم من يحاول أن يشاطره مغانمه، ويريده أن ينزل على إرادته، أو يصادره ويسعى به إلى السلطان.

استلزمت حياة الصولي الخاصة تعرف طرق الأخذ من المال، وإنفاقه فيمن كان يحيط به من الناس، وهو في كرمه على أخلاق عالية، ولعله كان من المتعذر في ذاك العصر أن يعتصم العامل بعصمته من كل وجه، ويعف عن كل منكر؛ ولو فعل ذلك لقضت الحال أن ينعزل في رأس جبل أو يأوي إلى بعض الرباطات يجاهد في سبيل الله قانعا مخبتا. والمجتمع لا يعيش بهذا المقتر، ولا بذاك المسرف.

أدبه وكتابته:

مخ ۲۱۳