ساعيا إلى النجاة من جوف البحر، من وعيد بوسايدون. وإن الرجل الذي يأتيك ضالا، لمحترم أيضا في عيون الآلهة الخالدين، كما أجيء إليك الآن، إلى مجراك وإلى ركبتيك، بعد أهوال عديدة ومشاق كثيرة. هيا، اعطف علي، أيها الملك، فها أنا ذا أعلن أنني أتضرع إليك.»
البحر يهدأ ... بالصلاة
هكذا قال أوديسيوس، وفي الحال أوقف ذلك الرب مجراه، وأمواجه، وجعل أمامه هدوءا، وبعث به إلى مصب النهر في سلام. كما جعل ركبتيه تنثنيان، ويديه القويتين ترتخيان؛ إذ كان البحر قد حطم روحه. وتورم جميع لحمه، وتدفقت مياه البحر غزيرة من فمه وفتحتي أنفه. وهكذا رقد أوديسيوس مبهور الأنفاس غير قادر على الكلام، لا يكاد يجد القوة على التحرك؛ إذ قد حل به تعب رهيب. بيد أنه عندما أحس بانتعاش روحه، وعادت أنفاسه إلى صدره، من جديد، خلع عن صدره خمار الربة، وتركه يسقط في النهر الذي كان يزمجر صوب البحر، فحملته الموجة العظيمة عائدة به إلى البحر. وفي الحال، تلقفته إينو بيديها. أما أوديسيوس، فبعد أن عاد من النهر، خرج واستلقى بين عيدان الغاب، وقبل التربة مانحة الغلال، وإذ اعتملت في نفسه العاطفة الشديدة، خاطب نفسه العتيدة بقوله: «ويحي! ويلي! ماذا سيحل بي بعد ذلك؟ ماذا عساه أن يصيبني في آخر الأمر؟ فإذا كان لي أن أبقى هنا، في مجرى النهر، متيقظا طوال الليل المتعب، فإنني أخشى أن يقهرني الصقيع القارس والندى الحديث، في نفس الوقت الذي استرددت فيه روحي من بين ذلك الضعف، والنسيم يهب باردا من النهر، في الصباح الباكر. أما إذا تسلقت المنحدر إلى الغابة الظليلة، واستلقيت لأستريح وسط الأحراش الكثيفة، عسى أن أنفض عني البرد والتعب، وحط علي النوم اللذيذ، فإنني أخاف أن أصبح فريسة ولقمة سائغة للوحوش الضارية.»
أوديسيوس يرقد ليستريح
وبينما هو في تفكيره، رأى من الأفق أن يشق طريقه إلى الغابة، فوجدها قريبة من الماء في الخلاء الفسيح، فأخذ يزحف تحت شجيرتين كانتا ناميتين في بقعة واحدة؛ إحداهما شجيرة حسك، والأخرى شجيرة زيتون. وخلال هاتين لم يكن في مقدور الرياح البليلة أن تهب، ولا أشعة الشمس أن تنفذ بينهما، ولا الأمطار أن تتسلل خلالهما؛ إذ كانتا متلاصقتين تماما، متشابكتي الأغصان، فزحف أوديسيوس تحت هاتين، وجمع بيديه في الحال فراشا عريضا؛ لأن الأوراق الساقطة كانت وفيرة هناك، تكفي لإيواء رجلين أو ثلاثة، في فصل الشتاء، مهما كان الطقس قاسيا، فأبصر بهما أوديسيوس، الكثير الاحتمال، واغتبط ورقد في الوسط، وغطى نفسه بالأوراق الساقطة. وكما يغطي المرء جذوة نار بالرماد القاتم في حقل منعزل، حيث لا يوجد حواليه جيران، فيدخر تلك الجذوة حتى لا يضطر إلى الحصول على النار من مصدر آخر، هكذا أيضا غطى أوديسيوس نفسه بالأوراق. وسكبت أثينا النوم فوق جفنيه لكي يستطيع إقفالهما، فيتخلص من تعبه المضني.
الأنشودة السادسة
بيد أن ابنة ألكينوس، هي وحدها التي بقيت ثابتة في مكانها لم تهرب.
أثينا تزور ناوسيكا في مخدعها
ومن ثم رقد أوديسيوس العظيم الكثير الاحتمال، وقد أنهكه التعب وغلبه النوم. أما أثينا فذهبت إلى أرض الفياكيين
1
ناپیژندل شوی مخ