عربو لیکوال د جاهليت او اسلام پیل په دوران کې
أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام
ژانرونه
على أن خيال الجاهليين لم يتسع للملاحم والقصص الطويلة؛ لانحصاره في بادية متشابهة الصور، محدودة المناظر،
1
ثم لماديتهم وكثافة روحانيتهم، ثم لفرديتهم وضعف الروح القومية والاجتماعية فيهم، ثم لقلة خطر الدين في قلوبهم وقصر نظرهم عما بعد الطبيعة، فلم يلتفتوا إلي أبعد من ذاتهم، ولا إلى عالم غير العالم المنظور،
2
ولا تولدت عندهم الأساطير الخصيبة؛ ولم يكن لأصنامهم من الفن والجمال ما يبعث الوحي في النفوس شأن أصنام اليونان والرومان، فقل من ذكر منهم أوثانه واستوحاها في شعره.
ولم يساعدهم مجتمعهم على التأمل الطويل وربط الأفكار وفسح آفاق الخيال؛ لاضطراب حياتهم برحيل مستمر، فجاء نفسهم قصيرا كإقامتهم، وخيالهم متقطعا كحياتهم، صافيا واضحا كسمائهم، داني التصور محدود الألوان كطبيعتهم. وكانت ثقافتهم الأدبية فطرية خالصة يتغذى بعضهم من بعض، ولا يقبلون لقاح الآداب الأجنبية الراقية؛ لجهالتهم واعتزال باديتهم وتمردها. وكذلك كانت علومهم ساذجة لا تفتح نوافذ النور للنظر في النفس وما بعد عالم الهيولي.
وجاءت حروبهم في كثرتها أياما وغزوات لا تجاوز البادية والقبيلة، حروب كر وفر، لا حروب زحف وفتح؛ فلم يكن من شأنها أن تبدع ملحمة كملحمة هوميروس في حصار طروادة. فلهذه الأسباب كلها اقتصر شعرهم على أغراض وجدانية تغمرها الذكريات، مبتورة القصص، يتواطئون عليها بأسلوب متشابه الاتجاه متداول المعاني والتعابير، فيستهلون على الغالب، ولا سيما القصائد الطوال، بذكر الديار الخالية والوقوف عليها للبكاء أو للتحية والسؤال، معددين المواضع التي توصل إليها أو تحيط بها، متشوقين إلى أحبتهم يوم كانوا يعمرونها، مشببين بهم مستعيدين ذكرى فراقهم. ثم يرحلون على ناقاتهم مفرجين بها همهم - قاصدين الحبيبة أو الممدوح - فيصفونها عضوا عضوا، ويصورون سرعتها ونشاطها؛ ثم ينتقلون إلى المدح أو الفخر أو غير ذلك، فيجتمع لهم في قصيدة واحدة عدة أغراض، ويكون انتقالهم في الأكثر اقتضابا ووثبا، وربما انتقلوا بواسطة، كأن يقولوا: دع ذا، وعد عن ذا.
وتشيع في شعرهم روح الفطرة بماديتها وسذاجتها وحريتها وأنفتها، وبما فيها من صدق في ذكر الحقيقة، إذا لم تثر في النفس عوامل عاطفية تحملها على الكذب والمغالاة. فالجاهلي صادق في الكلام على حياته وأحواله ومجتمعه، صادق في مدحه وهجائه إلى حد لا يسلم عنده من الغلو؛ كاذب في كثير من مفاخره، وعلى الأخص إذا وصف الضيافات والقدور والحروب وكثرة العدد والعدد والقتلى؛ مغال مفرط في مراثيه؛ وإذا كان مرثيه قد مات مقتولا يبالغ في ندبه وتعداد مناقبه ليستثير شعور القبيلة، ويحضها على الأخذ بثأره.
ولغة الشعر الجاهلي قوية المدلول في ألفاظها الوضعية - حقيقيا كان التعبير أو مجازيا - خشنة كثيرة الغريب، ولا سيما لغة الشعراء الذين نشئوا في قلب البادية بعيدين عن الأمصار المتحضرة كشعراء مضر؛ وهي إلى ذلك متوافرة الصور في تشابيهها الحسية وما يختلف إليها من استعارات وكنايات، قليلة الاحتفال بأنواع البديع كالجناس والتورية والطباق؛ جارية مع الطبع بريئة من التكلف، سواء جاء اللفظ عاريا أو كاسيا. فقوة الشعور الفني وحدها تهدي الجاهلي إلى اختيار ألفاظه وإخراجها من معدن واحد، وإجادة تنزيلها وتأليفها، فتأتي محكمة التركيب متماسكة الأطراف، تعبر بتموجاتها وأجراسها أصدق تعبير عن الحالة التي يحسها في نفسه ويتصورها في خياله.
وفي تشابيهه وكناياته واستعاراته دلالات بينة على حياته وطبيعة أرضه، فأكثرها مستمد من الصحراء نباتها وحيوانها، ومن مرافقها المحدودة ومعيشة أهلها، ومن عاداتهم وعقائدهم وأساطيرهم.
ناپیژندل شوی مخ