عرب ادبيان په عباسي عصرو کې
أدباء العرب في الأعصر العباسية
ژانرونه
57
في خراسان يخطب بمساوئ الأمين، وقد أعد رجلا يحفظ شعر أبي نواس، فإذا انعقد المجلس قام فذكر الأمين وقال: «ومن جلسائه رجل ماجن، كافر مستهزئ، متهكم يقول كذا وكذا» وينشد من قبائح شعره، ويذكر أهل العراق فيقول: «أهل فسق وفجور، وخمور وماخور»، ويلعنهم من يحضر من أهل خراسان.
كان للأمين عيون في خراسان، فكتبوا إليه يخبرونه بالأمر؛ فجزع له وتوعد أبا نواس، وحرم عليه شرب الخمر، وذكرها في شعره، فكان صاحبنا يتألم لهذا المنع فيطيع مكرها، لا خوفا من غضب الأمين وبطشه، وإنما حبا له وحفاظا على سمعته، وربما مرت به ساعات فما يستطيع عن الخمر صبرا، فيشربها غير مبال، ويسب الأمين ويهزأ به، والأمين يتغاضى عنه ولا يطيق أن يؤذيه، ورمي مرة بالثنوية وشهد عليه عدة نفر، فأمر به الأمين إلى السجن، فتذمر أبو نواس وشكا واستنجد بالمأمون، إذ يقول:
أما الأمين فلست أرجو دفعه
عني فمن لي اليوم بالمأمون!
وكان المأمون يود أن يرى عنده شاعرا كأبي نواس، فلما بلغه استنجاده به قال: «والله لئن لحقته لأغنينه غنى لا يؤمله.» على أن الشاعر لم يشأ أن يترك الأمين مع ما لقي منه في آخر عهده، وكان من حقه أن يناصر المأمون لو جارى نزعته الشعوبية وميله إلى الفرس، والشعوبية والفرس منهم يظاهرون المأمون، ولكنه آثر البقاء مع الأمين لأسباب منها أنه كان يحبه وتلذ له معاشرته ومنادمته، فلا طاقة له بالابتعاد عنه، ومنها أن له من الدالة عليه ما لا يأمل أن ينال مثله عند المأمون، ومنها أن أهل خراسان شيعيون يشددون في أمر الغفران كأصحاب الاعتزال، وكان أبو نواس عظيم الاتكال على عفو الله، ففضل عليهم أهل السنة؛ لأنهم لا يحظرون العفو على مسلم ارتكب الكبيرة إذا خرج من الدنيا على غير توبة، بل يجعلون حكمه عند الله؛ فإما أن يغفر له برحمته، وإما أن يشفع به النبي إذ قال: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.» وإما أن يعذبه بمقدار جرمه ثم يدخله الجنة برحمته، ولا يجوز أن يخلد في النار مع الكفار.
فهذه الأسباب كانت تدفع الشاعر إلى إيثار الأمين على أخيه، مع ما رأى فيه من ضعف وخمول وتقلب آراء.
توبته وموته
ولما قتل الأمين وظفر المأمون بالخلافة أصاب أبا نواس شيء من الجزع والقنوط، وتنكر له الدهر فتبرم الحياة وسئم ملاذها وغرورها، وأبى أن يتقرب من المأمون أو يمدحه، وكان المأمون قد جعل مقر الخلافة في خراسان، ولبث هناك نحوا من ست سنوات حتى استتب له الأمر في بغداد فانتقل إليها.
وكان بوسع الشاعر أن يتصل به ويستميله بالمديح، ولكن اليأس الذي ساوره بعد مقتل الأمين جعله يزهد في الحياة الدنيا، وتراءى له شبح الموت فراعه، وأحس أن قواه تحطمت من كثرة فسوقه واستهتاره؛ ففزع إلى ربه يستغفره، وأقلع عن المجون وشرب الخمر، وتنسك حتى هلك وهو على أشد ما يكون من الندم. وكانت وفاته في بغداد وله من العمر نحو من أربع وخمسين سنة، ودفن في مقابر الشونيزي.
ناپیژندل شوی مخ