285

عرب ادبيان په عباسي عصرو کې

أدباء العرب في الأعصر العباسية

ژانرونه

لها الشفاه.» وسئل أبو الفتح عن أمرها، فأخبر أنه دعاه بعض التجار في بغداد إلى المضيرة، فصار معه إلى بيته، وطفق التاجر وهو في الطريق، يصف زوجته، حتى ينتهي هذا المشهد بقول أبي الفتح: «وصدعني بصفات زوجته، حتى انتهينا إلى محلته ...» فشرع التاجر يصف المحلة، وعظمة دورها، وجعل داره منها كالجوهرة الوسطى من العقد. وانتهيا إلى باب الدار، فوقف يصف طافتها، فبابها، فحلقة الباب. ودخلا الدهليز، فجأر التاجر بالدعاء: عمرك الله يا دار. ولا خربك يا جدار.» وشرع يقص على أبي الفتح، كيف امتلك الدار. وممن اشتراها. ثم استطرد إلى ذكر حظه الحسن، فذكر خبر عقد من اللؤلؤ اشتراه بثمن بخس، حتى إذا انتهى عاد إلى داره، فروى حادثة حصير اشتراه بالمناداة، ونعت صانعه، ونصح لأبي الفتح أن يشتري الحصر من عنده. ثم عاد إلى حديث المضيرة، فطلب من الغلام الطست والماء. فقال أبو الفتح: «الله أكبر، ربما قرب الفرج، وسهل المخرج!» وما إن أقبل الغلام حتى شرع التاجر يعرض أوصافه، ويقص كيف اشتراه. وتناول الطست، فأمعن في وصفه. ثم وصف الإبريق، فالماء، فالمنديل، ودعا بالخوان فجاء به الغلام، فراح يقلبه، وينقره بالبنان. ويعجمه بالأسنان، ويقص قصته، وينعته أحسن النعوت، فجاشت نفس أبي الفتح، وقد تحقق له أن التاجر سيصف كل شيء يعرض على الخوان، ويذكر كيف اشتراه، ومن أين اشتراه، ومن صنعه، فحاول الانصراف تخلصا، فظنه التاجر يريد الخروج في حاجة نفسه، فانبرى يصف له الكنيف وحسنه، إلى أن قال: «يتمنى الضيف أن يأكل فيه.» قال أبو الفتح: «فقلت: كل أنت من هذا الجراب، لم يكن الكنيف في الحساب. وخرجت نحو الباب، وأسرعت في الذهاب. وجعلت أعدو، وهو يتبعني، ويصيح: يا أبا الفتح! المضيرة. وظن الصبيان أن المضيرة لقب لي، فصاحوا صياحه، فرميت أحدهم بحجر، من فرط الضجر. فلقي رجل الحجر بعمامته، فغاص في هامته. فأخذت من النعال بم قدم وحدث، ومن الصفع بما طاب وخبث. وحشرت إلى الحبس، فأقمت عامين في ذلك النحس. فنذرت أن لا آكل مضيرة ما عشت.»

فهذه المقامة من أبدع ما صنع الهمذاني، ففيها جمال القصص، وروعة الفن، ودقة الوصف، وحسن الانتقال، واتساق الأفكار. وفيها السخر والفكاهة والنكتة. ولو وفق البديع في جميع مقاماته توفيقه فيها، لبلغ في هذه الصنعة غاية الغايات.

المقامة البشرية

تمتاز هذه المقامة عن سائر أخواتها من مقامات بديع الزمان في أنها اصطنعت شاعرا لم تعرفه القرون الخالية، وزفته إلى تاريخ الآداب، فاحتفل به المؤرخون، وأعظموا شأنه، ولم يجدوا مشقة في تحديد عصره، فجعلوا وفاته في أواخر القرن السادس للمسيح. وهذا الشاعر هو بشر بن عوانة العبدي صاحب القصيدة الشهيرة التي أولها:

أفاطم لو شهدت ببطن خبت

وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا

19

والقصيدة وصاحبها من صنع الهمذاني، ولا غرابة في ذلك، فإن البديع لم يكن في مقاماته مؤرخا ولا راوية. وإنما هو كاتب متفنن، وقاص خيالي. ولم يدع يوما صحة مقاماته، بل كان بالضد يفاخر في اختراعه لها، كما في رسالته إلى أبي بكر الخوارزمي حيث يقول: «فيعلم أن من أملى من مقامات الكدية أربعمائة مقامة لا مناسبة بين المقامتين لا لفظا ولا معنى، وهو لا يقدر منها على عشر، حقيق بكشف عيوبه.» ا.ه. على أن الغريب أن ينخدع بها جماعة من جلة الأدباء والمؤرخين، فيجعلوا المقامة البشرية قصة حقيقية، وقصيدة الأسد شعرا جاهليا، وبشر بن عوانة بشرا سويا. مع أنهم لو راجعوا المظان الأدبية والتاريخية التي صنفت قبل المقامات لما وجدوا كتابا واحدا يذكر بشرا، أو يشير إلى قصياته في الأسد، فقد رجعنا إلى أمهات الكتب القديمة، فلم نسمع لبشر خبرا؛ فلا الضبي ذكره في مفضلياته. ولا ابن سلام في طبقاته، ولا ابن قتيبة في الشعر والشعراء وعيون الأخبار، ولا أبو تمام والبحتري في حماستيهما، ولا الجاحظ في البيان والتبيين والحيوان، ولا ابن عبد ربه في العقد الفريد، ولا المبرد في كامله، ولا الطبري في تاريخه، ولا الأصفهاني في أغانيه، ولا المرزباني في الموشح، ولا ابن النديم في الفهرست، ولا المسعودي في مروجه، ولا القالي في أماليه. ونظرنا في بعض الكتب الركينة التي تأخر زمن أصحابها عن زمن صاحب المقامات، فلم نرها تذكر بشرا في جملة الشعراء، أو تضيف إليه قصيدة الأسد. ومن هذه الكتب العمدة لابن رشيق، وزهر الآداب للحصري، ومعجم الأدباء لياقوت، ووفيات الأعيان لابن خلكان، وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبي.

ولعل ضياء الدين بن الأثير، صاحب المثل السائر، أول من ضل فأثبت بشرا، وأضل غيره من الأدباء والمؤرخين، فإنه لما عمد إلى الموازنة بين المتنبي والبحتري في قصيدتيهما اللتين وصفا بهما الأسد قال: «أما البحتري فإنه ألم بطرف مما ذكر بشر بن عوانة في أبياته الرائية التي أولها:

أفاطم لو شهدت ببطن خبت

ناپیژندل شوی مخ