ميراث کلاسیکي: لنډه مقدمه
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
3 ). وهنا كان إله التحرر، ابن زيوس النافذ القدرة من امرأة من طيبة، يسيطر على الإيهام بينما كانت طيبة، مدينة أوديب المأساوية والعدو التقليدي لأثينا، تمزق أمام أنظار الجمهور.
سلطة الجمهور
والأدهى من ذلك أن المشاهدين كانوا يرتادون المسرح وفق أسس تختلف كثيرا عن الأسس التي يحضر وفقها جمهورنا العروض الدرامية الحالية. كانت الدراما شيئا تتفرد به أثينا بوصفها مؤسسة محورية وجوهرية لتلك المدينة «الديمقراطية» في القرن الخامس قبل الميلاد. كانت الطقوس الدينية التقليدية الخاصة بالمواكب وتقديم القرابين وصلوات الكهنة تسبق عمل المسارح وتمهد له. وكان يلي ذلك سلسلة من العروض المختارة مسبقا، تعرض مسرحيات صممت وكتبت على نحو خاص من أجل الاحتفال، وكانت تمول إجباريا من طرف المواطنين الأثرياء بحيث يكون هذا التمويل إسهاما منهم للمدينة. كانت المناسبة كلها تأخذ شكل منافسة بين هذه العروض الدرامية على جائزة يمنحها فريق معين من المحكمين.
كان الجمهور يجلس في المسرح طوال اليوم، منذ طلوع الشمس، ويتوقع منهم أن يتدبروا العرض ويركزوا فيه، وذلك كجزء من دورهم بوصفهم مواطنين أثينيين. كانت الشخصيات النسائية في المسرحيات يمثلها ممثلون من الرجال؛ لذا من الأرجح أيضا أن الجمهور كان يتألف كله من الرجال. وعلى هذا، كان هؤلاء أيضا جزءا من المجلس الجماهيري الديمقراطي الذي كانت قراراته تحدد ما يفعله الأثينيون وما يؤيدون، وكان هؤلاء أيضا محلفي المحاكم الكبرى الذين يختارون بالاقتراع من بين جموع المواطنين. تضمنت الطقوس الأخرى التي كانت تسبق العروض تقديم أيتام الحرب الذين تربيهم المدينة على نفقتها، ومسيرة تعرض جزية الفضة التي حصلتها أثينا من حلفائها أو رعاياها ويتم تخزينها في الطرف الغربي للبارثينون. كان استعراض الدور الاستعماري لمدينة أثينا وأيديولوجيتها الجمعية أمام المواطنين يصبغ العروض بصبغة سياسية. كان الجنود والقضاة، المصوتون والآباء، كلهم يشاهدون شكل التمثيل الذي اختارته أثينا؛ ففي المسرحيات الدرامية، كانت المدينة كلها تشارك في العرض الدرامي.
عاشت المسرحيات عمرا تجاوز عمر الديمقراطية التي أنتجتها. وفي وقت مبكر يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد كانت هذه المسرحيات قد صارت من الكلاسيكيات بالفعل، تمثلها فرق مسرحية في أنحاء المدن الإغريقية المختلفة، في صقلية وجنوبي إيطاليا، علاوة على اليونان وشرقي البحر المتوسط ، وقد استثمرت هذه الفرق في مسارح فاخرة من الحجر، مبنية على الطراز الأثيني. في ذلك الوقت، كان استقلال هذه المدن مهددا من جانب مقدونيا من الشمال، من طرف فيليب المقدوني وابنه الإسكندر الأكبر. وحين كتب أرسطو (الفيلسوف الذي كان معلما للإسكندر في صغره) تحليله للتراجيديا، الذي ظل أهم قطعة من النقد الأدبي في الثقافة الغربية حتى القرن العشرين، كان يفكر في المسرحيات بوصفها تجريدا رسميا، منحيا جانبا تفاصيلها السياسية الخاصة، ومصنفا إياها كنوع أدبي ومسرحي. لقد رأى أرسطو عملية ديناميكية حية تدور بين خشبة المسرح والجمهور؛ عملية إنتاج الرعب والشفقة، الإعجاب والتعاطف. إن تقليله أهمية المنظومة الديمقراطية التي أنتجت المسرحيات التراجيدية مكن هذه المسرحيات من أن تظل موضع إعجاب، وأن تؤدى، منذ ذلك الوقت، في مجتمعات ذات تنظيم سياسي مختلف للغاية.
في الواقع، ظل تقدير الثقافة الأثينية الخاصة بالقرن الخامس قبل الميلاد - المسرحيات التراجيدية والبارثينون - يجاهد على نحو متواصل من أجل الانتقاص من أهمية ارتباط هذه الثقافة بالديمقراطية؛ وذلك لأن الديمقراطية لم تصبح مفهوما إيجابيا معتنقا على نطاق واسع إلا في أوقات حديثة للغاية. وقبل ذلك، كانت دراسة التراث الكلاسيكي تعكس رأي جوقة الأصوات القديمة التي كانت تحط من شأن الديمقراطية الأثينية بوصفها تجربة خطيرة في المسئولية الجمعية سارت على نحو خاطئ كارثي. إن الهزيمة شبه الإعجازية للفرس على يد القوات المتحدة لكبرى المدن اليونانية كانت على الدوام قصة مثيرة للمشاعر، ظلت حية بفضل السرد التاريخي لهيرودوت، ونظر إليها دائما بوصفها «مجد اليونان»، إلا أن سرد ثوسيديديس القوي لفشل الديمقراطية الأثينية في الفوز ب «الحرب البيلوبونيزية»، التي دامت لفترة أطول مما ينبغي، ضد أسبرطة وحلفائها؛ ندد بالانحدار الهش إلى حكم الغوغاء الذي اعتبره المنظرون السياسيون، لاحقا، مرضا متوطنا في أي نظام ديمقراطي. كان ثوسيديديس نفسه مثالا للفشل الأثيني (إذ نفي بسبب عدم كفاءته)، لكن التاريخ الذي وضعه انقلب على أثينا الديمقراطية ككل، متهما إياها بأنها في حقيقتها «مدينة طاغية»، تتغذى على الابتزاز ومسئولة عن مذابح بالجملة لأشقاء يونانيين، بل وإبادات جماعية إذا لزم الأمر. كما لاحظنا في الفصل الرابع، رأى ثوسيديديس أن الديمقراطية لا تعدو كونها مرضا وهذيانا جماهيريا عنيفا، من شأنه التسبب في مقتل معتنقيها بمجرد أن يتخلى قادتها عن أصول قيادة الدولة ويستجيبون للرغبات اللحظية للغوغاء. ومع ذلك، تجسد كتاباته هذا المزيج الأثيني من الذكاء المفتقر للاحترام والقدرة التحليلية الذي مكن المدينة من تنفيذ تجربتها الجريئة المتمثلة في تسليم السلطة للشعب.
اختراع الفلسفة
شهد الاستخدام المتقن للغة الإغريقية بغرض الفكر التحليلي والتنظير مزيدا من التقدم في القرن الرابع قبل الميلاد؛ فقد وظف الفلاسفة اللغة وطوروها في محاولاتهم لتناول النطاق الكامل للأسئلة الفلسفية، عن طبيعة الواقع والحقيقة والمجتمع والنفس البشرية والفناء والبلاغة والأخلاقيات، وأخيرا وليس آخرا السياسة. كان الخطاب الإغريقي عامة، والخطاب الفلسفي الإغريقي خاصة، ببساطة أكثر الأدوات المتاحة تطورا على امتداد عمر العالم القديم. وقد كان هذا الخطاب يحظى بالاحترام حتى من طرف الرومان، الذين اختزلوا العالم الإغريقي إلى مرتبة أقاليم في عالم إمبراطوريتهم الواسع، واستمر في إلهام الأعمال الفكرية حتى يومنا الحاضر؛ خاصة من القرن التاسع عشر فصاعدا. وبهذا الخطاب استطاع الإغريق مناقشة نظرة عالمية شاملة للثوابت والاختلافات داخل نطاق الخبرة البشرية.
قبل أرسطو، كان أفلاطون قد كتب أطروحات فلسفية على صورة مناقشات مسرحية (يطلق عليها عادة الآن اسم «المحاورات») يترأسها معلمه الروحي سقراط. كان أفلاطون يكتب في القرن الرابع قبل الميلاد، بعد سنوات عديدة على وفاة سقراط، لكن المحاورات كلها تدور في الأيام التي سبقت انهيار المجد الديمقراطي الكامل لأثينا القرن الخامس قبل الميلاد، وكلها كانت مبنية على «الاستشهاد» الحتمي لسقراط، الذي حكم عليه بالموت في عام 399 قبل الميلاد نظير تهم يقدمها أفلاطون بوصفها نوعية الغبن الذي يمكن توقعه بسبب حقد الديمقراطيين وانعدام مسئوليتهم. (صورت الأيام الأخيرة من حياة سقراط، ومن الحرب البيلوبونيزية، ومن الديمقراطية الأثينية الكاملة، باستخدام أفلاطون وغيره من المصادر، في رواية ماري رينو «آخر قطرات النبيذ».) تتعمق المناقشات دون هوادة في بحث تلك الأسئلة الأساسية والنهائية التي جعلتها الفلسفة الإغريقية من أسس الثقافة الغربية إلى يومنا هذا. وهي تحمل القارئ بعيدا عن خبرات الحياة اليومية، متخيلة وجود حقيقة نهائية مثالية في «واقعية» الأشكال، التي يسعنا وحسب أن نلمحها من خلف الظلال التي تؤلف عالمنا الدنيوي الذي نسكن فيه.
إن الإشارة إلى أفلاطون في الفقرة التي اقتبسناها في بداية هذا الفصل هي في الواقع إشارة إلى محاورته «الجمهورية». وهذه المحاورة الطويلة الممتدة على مدار عشرة كتب ترسم، في صورة محاولة لتعريف العدالة، مخططا تمهيديا لنظام سياسي مثالي يمكن فيه محو العيوب التي تشوه المجتمعات، التي يلخصها في نظر أفلاطون مقتل سقراط، من الوجود. فهو يهدف إلى إيجاد حالة ثابتة لا يمكن فيها أن تتسبب أي دعوة للتغيير الاجتماعي في حدوث اضطراب اجتماعي. يستحضر أفلاطون على لسان شخصية سقراط كلا من «زيوس الذئب» و«آكل لحوم البشر» في النقطة التي يصور، بسخريته المعهودة، ما يحدث حين توجد الجموع لأنفسها بطلا؛ ففي اللحظة التي يجد فيها هذا البطل أنه من الضروري أو الملائم التخلص من مواطن آخر، فإنه يتحول إلى ذئب، على الطراز الأركادي: آكل لحوم البشر الاجتماعي «السياسي» الذي يعرف الآن في العالم أجمع باسم «الطاغية».
ناپیژندل شوی مخ