ميراث کلاسیکي: لنډه مقدمه
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
على سبيل المثال، أثارت الفلسفة اليونانية، وخاصة أعمال أفلاطون وأرسطو، نقاشات ليست فقط في مجال الفلسفة من منظورنا الحالي، وإنما في مجالات السياسة والاقتصاد والبيولوجيا وغيرها؛ فقد تطورت نظريات كارل ماركس من التدريب الذي تلقاه في فلسفة وتاريخ اليونان وروما. وفي الواقع، كانت أطروحة رسالة الدكتوراه لماركس عبارة عن مقارنة بين منظمتي الفيلسوفين والعالمين اليونانيين ديموقريطس وإبيقور، وكلاهما من المناصرين الأوائل للنظرية الذرية للمادة. كما أن علم الأنثروبولوجيا الحديث يرتبط ارتباطا وثيقا بالأفكار التي أنتجتها سلسلة من الباحثين الكلاسيكيين من أواخر القرن التاسع عشر فصاعدا، خاصة فيما يخص نظرياته العظمى بشأن الثقافة العالمية. وهذه العلاقة بين دراسة التراث الكلاسيكي والأنثروبولوجيا تعود بنا، على نحو غير متوقع، إلى باوسانياس ودليله الإرشادي إلى اليونان.
البداية
الترجمة التي قدمناها في الفصل الرابع لوصف باوسانياس كانت ترجمة السير جيمس فريزر؛ الأب المؤسس لعلم الأنثروبولوجيا الحديث، وكذلك المترجم والمحرر والمعلق على كتاب «دليل إرشادي إلى اليونان»، الذي ظهرت طبعته البارزة المكونة من ستة مجلدات إلى النور عام 1898. كان فريزر قد قام بسلسلة من الزيارات إلى اليونان في أوائل العقد الأخير من القرن التاسع عشر بهدف البحث في كتابات باوسانياس، وقد أدرج في تعليقه عددا من الفقرات الغنائية تعبر في أسلوب فيكتوري راق عن الإعجاب بمشاهد طبيعية معينة والحياة النباتية والدرب، غامرا الطرق التي سلكها باوسانياس بأسلوبه العاطفي من الوصف التصويري. وقد كان يشكو قليلا من قلة اهتمام باوسانياس بالمشاهد الطبيعية للعالم قائلا: «إذا نظر [أي باوسانياس] إلى الجبال، لم يكن هذا كي يصف القمم الثلجية وهي تلمع تحت ضوء الشمس قبالة زرقة السماء، أو يصف غابات الصنوبر الداكنة التي تحف قممها، وإنما كي يخبرنا أن زيوس أو أبوللو أو إله الشمس كان يعبد على قممها ...» وفي سياق هذا المشروع زار فريزر باساي في عام 1890. وقد تفحص الموقع في حرص، ورسم رسومات وأخذ قياسات نقلها لاحقا إلى تعليقه على ذلك القسم من نص باوسانياس.
لم يكن الإقدام على عملية تحرير كبيرة لكتابات باوسانياس الخيار البدهي لباحث من أواخر القرن التاسع عشر. ربما كان الدليل الإرشادي أداة ضرورية للأثريين المبكرين، الذين كانوا ينقبون في المواقع القديمة باليونان. بيد أن هذا الدليل لم يحظ بالإعجاب قط بفضل جودته الأدبية، ولا كان يقرأ في المدارس أو الكليات بوصفه أحد النصوص الكلاسيكية الرئيسية. وهذا يرجع جزئيا إلى أنه عمل إغريقي كتب إبان عصر الإمبراطورية الرومانية؛ ومن ثم دائما ما كان يطغى عليه كل من الأعمال الإغريقية التي كتبت فيما يطلق عليه فترة الحضارة الأثينية «الكلاسيكية» (في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد) وكذلك الأعمال اللاتينية المكتوبة عن فترته هو «الكلاسيكية»، والممتدة من القرن الأول قبل الميلاد إلى أوج الإمبراطورية الرومانية في القرن الثاني الميلادي. فقط في أزمنة أحدث بكثير جذبت الكتابات الإغريقية العديدة - بدءا من زمن باوسانياس مرورا بانهيار الإمبراطورية الرومانية وبزوغ الإمبراطورية البيزنطية المتحدثة باليونانية ومركزها القسطنطينية (إسطنبول) - انتباه الباحثين الكلاسيكيين، علاوة على المنغمسين في النصوص اللاتينية، الوثنية والمسيحية، من أواخر عهد الإمبراطورية الرومانية.
هناك عوامل أخرى أيضا أسهمت في التجاهل النسبي لكتابات باوسانياس خارج دوائر الأثريين؛ فدليله الإرشادي مكتوب بأسلوب متواضع على صورة ملحوظات، بواسطة كاتب ليس له أي عمل آخر معروف، ولا يلقي عمله الضوء على نحو مباشر على النصوص الكلاسيكية الأكثر محورية. إضافة إلى ذلك، من الواضح أن المراكمة الحريصة للمعلومات التفصيلية من موقع لآخر في أنحاء اليونان لا تأسر انتباه القارئ من خلال تحليل قوي أو مثير للإعجاب على نطاق عريض.
لكن كان لدى فريزر نفسه أسباب خاصة للاهتمام بعمل باوسانياس. فما جذبه إلى دليل باوسانياس الإرشادي كان تحديدا التفصيل الدقيق الذي لم يصف به باوسانياس فقط المواقع الدينية، والطقوس العامة، وخرافات العالم الإغريقي، وإنما أيضا (بكلمات فريزر) «العادات الغريبة والشعائر والخرافات من جميع الأنواع.» وفي الوقت الذي بدأ فيه فريزر دراسته الجادة لكتابات باوسانياس، كان قد أكمل للتو طبعته الأولى من المشروع الكبير الذي اشتهر اسمه بفضله؛ كتاب «الغصن الذهبي». كان هذا عملا جمع «العادات الغريبة والخرافات» من كل أنحاء العالم وعلى مر التاريخ؛ ويزعم أنه يفسرها كلها، في واحدة من أولى نظريات الأنثروبولوجيا وأكبرها قاطبة. لقد كان مشروعا نما وترعرع على امتداد حياة فريزر، من الطبعة المتواضعة في مجلدين لعام 1890، إلى الطبعة الثالثة الكبيرة المكونة من اثني عشر مجلدا، والتي ظهرت للنور بين عامي 1910 و1915.
يبدأ كتاب «الغصن الذهبي»، في مختلف طبعاته، بمشكلة «كلاسيكية». واللغز الذي يشرع فريزر في شرحه هو تلك القاعدة الغريبة التي كانت تحكم كاهن الإلهة ديانا في معبدها في نيمي، بين تلال جنوبي روما. فوفقا للكتاب الرومان فإن هذا الكاهن، المعروف بلقب «الملك»، فاز بمنصبه الكهنوتي عن طريق قطع غصن من شجرة معينة في المعبد ثم قتل من كان يسبقه في شغل منصب الكاهن. كل كاهن للإلهة ديانا كان يعيش وقتها في خوف على حياته؛ إذ كان الراغبون في منصبه يخططون لقتله. وبغض النظر عن الوقت الذي بدأت فيه هذه العادة، فقد ظلت مستمرة في القرن الأول الميلادي، حين تخبرنا القصة الساخرة عن تجهيز الإمبراطور الروماني كاليجولا لمنافس كي يذهب ويتحدى الكاهن الحالي، الذي كان يحمل لقب «الملكية» منذ وقت طويل.
كان الأمر الأساسي الذي قام به فريزر هو إدخال هذه العادة الغريبة في حقبة تقع في منتصف ملحمة «الإنياذة» لفرجيل. وقد عرف فريزر الغصن الذي يحوزه المتنافس على منصب الكاهن ب «الغصن الذهبي» الذي مكن بطل فرجيل، إنياس، من الهبوط في أمان إلى عالم الموتى، قبل العودة مجددا إلى مهمة تأسيس مدينة روما. وإذا كان القدر يحابي إنياس، هكذا يقال له، «فسيأتي الغصن طوعا وينخلع بيسر». ودعما لهذا التعريف راكم فريزر «الأدلة» من أي مصدر، وأي مكان، وأي زمان (من الأساطير الاسكندنافية القديمة إلى عادات سكان أستراليا الأصليين، ومن الميثولوجيا الإغريقية إلى صناع عرائس القش الإنجليزيين). وبينما واصل فريزر، عبر طبعات كتابه المتتابعة، إضافة المزيد والمزيد من الملاحظات، أدرج مراجع بشأن التراث الديني والأثري للكوكب بأكمله، مملوءة بقراءة فريزر الواسعة للغاية وبإسهامات أرسلت إليه من جحافل المتراسلين من مختلف أنحاء الكوكب، كلهم يسهمون بما رصدوه من مشاهدات تعزز ما توصل إليه.
اشتق فريزر نظريات طموحة من كل هذه المعطيات: نظريات عن تقديم القرابين، عن موت الملوك ومولدهم من جديد (ومن هنا جاءت أهمية لقب «الملك» الذي حمله كاهن نيمي)، وعن التطور الفكري الكامل للبشرية، من الإيمان البدائي ب «السحر»، مرورا ب «الدين»، وصولا إلى نمو «العلم» الحديث. مع مرور الوقت، تداعى الإطار المركزي لحجته بالكامل، لكن منظومة «المعرفة» الهائلة التي جمعها لم تنهر. وكما رأينا في حالة باوسانياس، لم يؤد عدم الإيمان بمعلومات فريزر إلى إبطال مشروعه. في كتاب «الغصن الذهبي» قدم فريزر لقرائه مدخلا إلى «معرفة» شاملة وما تحمله هذه المعرفة من قوة ، بداية من العالم القديم نفسه. وذلك الكتاب العظيم (الذي، رغم «إنكار» ما توصل إليه من نتائج، لا يزال يبيع كل عام آلاف النسخ من طبعته ذات المجلد الواحد) يقدم نموذجا لقدرة الفكر المتحضر الممنهجة. كانت هذه حملة فريزر العظيمة الشاملة. وقد انبثقت مباشرة من عمله على طبعاته الكلاسيكية، التي ثبت أنه لم يمكنها مطلقا الاستغناء عن باوسانياس، والتي، كما يزعم البعض، دامت على أحسن حال.
كان من الحتمي أن يضرب مشروع فريزر لفهم تاريخ الثقافة البشرية بجذوره في الدراسة الكلاسيكية وفي مجموعة «الخرافات» التي احتفت بها النصوص والأعمال الفنية الإغريقية؛ ففي أنحاء أوروبا كانت تلك النصوص والأعمال ملكية شائعة للمثقفين، وكانت أكثر ما يدعو للشرح والتفسير. واليوم، بعد أن نبذت طرق فريزر بوقت طويل، يظل التحدي جزءا أساسيا من دراسة التراث الكلاسيكي: كيف لنا أن نفكر في «الميثولوجيا الإغريقية»؟ لماذا كان لهذه الذخيرة من القصص مثل هذه القبضة القوية على هذا العدد الكبير من الكتاب والفنانين؟
ناپیژندل شوی مخ