وفى الجملة، إنا بالارتياض فى الجدل يتهيأ لنا أن نأتى فى الشىء إما بقياس، أو بنقض، أو بمقاومة؛ وأن نعلم أن السؤال مستقيم أو غير مستقيم: إما الذى يصدر عنا، وإما الذى يصدر عن غيرنا؛ والسبب فى كل واحد منهما، لأن القوة فى الجدل إنما تصير لنا من هذه الأشياء، والارتياض إنما يراد لاقتناء هذه القوة ولينتفع به خاصة فى الاستكثار من الحجج وفى المقاومات. وذاك أن الجدلى على الإطلاق هو الذى يأتى بالحجج ويقاوم. وتكلف الحجج ليس هو غير أن يجعل الشىء الواحد كثيرا فى الغاية (وذاك أنه ينبغى للذى يكون القول متوجها نحوه أن يجعل الجزىى كليا)، وللمقاوم أن يجعل الواحد كثيرا، إلا أنه يفعل ذلك إما على طريق القسمة أو على طريق النقض، فيسلم بعض ما يقع السؤال عنه، ويمنع بعضا.
وليس ينبغى أن يجادل فى كل شىء، ولا يجادل أيضا من اتفق من الناس. وذاك أن الضرورة تدعو فى مناظرة قوم من الناس إلى أن تكون الأقاويل خسيسة. فأما فى مجادلة من يحاول أن يظهر من أمره أنه قد فلح، فمن العدل أن يروم استعمال القياس لا محالة. إلا أن ذلك غير لائق. ولذلك قلنا إنه لا ينبغى لنا أن نسارع إلى مقاومة كل من اتفق، لأنه يلزم من ذلك ضرورة قول ردئ. وذاك أن المرتاضين فى الجدل لا يقدرون على الامتناع من نزل الكلام على المجاهدة.
مخ ۷۳۲