إن هذا العمل قد تواصل في السنين الأخيرة بسرعة متزايدة، وكما تعلم الحكومة فإنه بفضل مساعدة مباشرة من فرنسا أمكن تمويل كامل الميزانية الإضافية التونسية تقريبا أي ثلث مصروفات الميزانية.
وهكذا فإن فرنسا تقوم بإنجاز برنامج واسع لتجهيز البلاد، والذي لا يمكن لتونس بدونه أن تساير أحوال تطور الاقتصاد العالمي الذي بلغ عنفوانه، والإنجازات التي تمت مثل سدود نهر «مجردة» والتي سيكون لها تأثيرها في التقدم بمشروعات الري، وكذلك أهمية المخصصات المقررة للتقدم الزراعي ونشر التعليم وحماية الصحة العامة تشهد بعظمة الجهود التي تبذلها الدولة الحامية.
ولم تذكر الحكومة الفرنسية ما تدعيه من فضل على تونس لمجرد التبجح والمن، بل قصدت أن تتخذ ما قامت به من أعمال كمبرر لها في إبقاء استعمارها، فأوضحت في الحقيقة نواياها الخفية في أن تبقى تونس تحت سيطرتها المباشرة، «إن الحكومة الفرنسية إذ تشعر بأنها تقوم برسالة مطابقة لمعاهدة الحماية في أسمى أهدافها، لا تنوي التخلي في المستقبل عن عملها الذي ترجع فائدته لمجموع سكان المملكة التونسية»، وتعني بالضبط لفائدة جاليتها الفرنسية فقط، وقد طالبت بمنح تلك الجالية الأجنبية حقوقا لا يمكن بحال أن يتمتع بمثلها الأجانب في أي بلاد كانت ولا يخولها القانون إلا للمواطنين وحدهم، لا يشاركهم فيها مشارك، وما ذلك إلا خطوة حاسمة في تنفيذ الفكرة الاستعمارية الرامية إلى إلحاق تونس بفرنسا وإدماجها فيها، فقالت الحكومة الفرنسية في مذكرة 15 / 12 / 1951: «وقد قام الفرنسيون المقيمون بتونس في هذا العمل التعديني بدور رئيسي لا يمكن أن يخطر على بال أحد نكرانه، وإن اشتراكهم بعملهم ونشاطهم في الحياة الاقتصادية بهذه البلاد، وأهمية مساهمتهم في تمويل ميزانية الدولة التونسية لا تسمح بإقصائهم عن المشاركة في تسيير شئون البلاد السياسية.
إن الحكومة الفرنسية متمسكة شديد التمسك بهذا المبدأ؛ لأنه في نظرها هو وحده الكفيل بأن يضمن - بفضل مشاركة منتجة بين الفرنسيين والتونسيين - نمو المؤسسات السياسية
4
نموا منسجما.»
فكيف اكتسبت الجالية الفرنسية حقوقا سياسية بتونس؟ يجيب الاستعمار الفرنسي بمنطقه العجيب أن استحواذهم على خيرات البلاد وكنوزها واغتصاب السلطات من يد التونسيين جعلهم أصحاب الحق في البلاد، وقد ذهبت فرنسا إلى أبعد من هذا فأوضحت نواياها وضوحا لا يبقي مجالا للشك والتساؤل عندما جزمت جزما بأن تونس مرتبطة بفرنسا ارتباطا أبديا لا نهاية له ولا حد لمدته، كأن تونس قطعة من فرنسا نفسها وهذه هي عبارات الحكومة الفرنسية: «ويجدر أن تبقى هذه الاعتبارات ماثلة في الأذهان عند دراسة العلاقات المقبلة بين بلادينا؛ لأنها لا يمكن أن تكون قائمة إلا على التسليم بأن الرابطة بينهما رابطة نهائية.»
ثم إن الحكومة الفرنسية اشترطت شروطا وطالبت بإنجازها حالا وخاصة فيما يتعلق بتحقيق مشروع البلديات بمشاركة الجالية الفرنسية فيها والبقاء على المجلس الكبير؛ لأنه يحتوي على تمثيل الجالية الفرنسية فيه، وبعد ذلك كله قد تقرر فرنسا استئناف المفاوضات، وقد تقرر وقفها، حسبما تراه صالحا، بل قررت الحكومة الفرنسية وحدها من غير أن تلتفت لرأي الوزارة التونسية ولا رأي الشعب التونسي تكوين لجنة مختلطة للنظر في الإصلاحات التي ينبغي إدخالها على المؤسسات السياسية التونسية:
على ضوء هذه التحفظات ومع مراعاة الاعتبارات العامة المبينة أعلاه أتشرف بأن أحيط جنابكم علما أن الحكومة الفرنسية أعطت التعليمات لممثلها بتونس ليؤلف ابتداء من شهر يناير المقبل لجنة مختلطة فرنسية تونسية لدراسة الترتيبات الخاصة بالجهاز النيابي الذي قد ينشأ لتعويض المجلس الكبير للمملكة التونسية، على أن تقدم نتيجة أعمالها في أجل محدود.
ورفضت هكذا الحكومة الفرنسية كل مفاهمة مع الحكومة التونسية وأعلنت أنها أناطت مهمة التفاوض إلى لجنة مختلطة يعينها ممثلها بتونس تعيينا، وقطعت المفاوضة بين تونس وفرنسا بعد أن رفضت تحقيق ما تعهدت به من استقلال داخلي، وقد استحال فيما بعد على الحكومة الفرنسية وعلى ممثليها بتونس تكوين تلك اللجنة؛ لأن التونسيين جميعا أبوا أن يخونوا وطنهم وأن يشاركوا فيها؛ لأن مبدأها نفسه ينقض ما وعدت به فرنسا.
ناپیژندل شوی مخ