162

تونس ثائره

تونس الثائرة

ژانرونه

وإن فرنسا لا تنكر التطورات؛ إذ كانت هي الداعية لها، ولم تكتف حكومة الجمهورية في الأيام الأخيرة نفسها بتأكيد عزمها فقط على مجاراة ذلك التطور، بل على إعانته، فوضعت تصميم إصلاحات ربما يأسف بعضهم لجرأتها، ولكنها عند تطبيقها في مراحل سيكون نجاحها وسرعة تنفيذها مبررا كافيا لها.

ولكن لا يمكن أن يتم هذا العمل إلا إذا كان مقاما على روح الحكمة والثقة والمشاركة الدائمة، تلك الروح التي مكنت تونس من الوصول إلى الدرجة التي بلغتها من الازدهار والمدنية.

غير أنه في نفس الوقت الذي كانت فيه حكومة الجمهورية تؤكد ذلك العزم باتفاق مع مجالسنا النيابية، كان بعض من الرجال الذين وقع اختيار سموكم عليهم للمساعدة في العمل الحكومي - وسموكم المتصرف الوحيد في السيادة التونسية من غير نزاع ولا جدال - كان هؤلاء الرجال قد رفعوا شكوى فرنسا أمام منظمة الأمم المتحدة التي كانت تعقد جلساتها في عاصمتنا، من غير أن يعلموا سموكم ولا حكومة الجمهورية، فجعل صنيعهم هذا الدال على الريبة والعداوة من المستحيل كل عمل مثمر معهم، وقد استغربت - وخاصة أنكم لم توقعوا تلك الشكوى - من أنكم لم تستنكروا حالا هؤلاء الوزراء - والوزير الأول صاحب المسئولية قبل غيره - الذين عبثوا بثقتكم؛ حيث إنهم قاموا بعملهم من غير توقيعكم ومخالفة لحقوقكم الملكية.

ومنذ ذلك اليوم والدم يجري في مملكتكم، وأظلمت الأعمال الإرهابية ضد الأشخاص والأرزاق الحاضر وأخلت بالمستقبل، وأن فرنسا المكلفة بالأمن والنظام تقوم بواجبها، ولكن سموكم بصفتكم صاحب المملكة التونسية تتحملون أثقل المسئوليات الأدبية في إرجاع الهدوء والوحدة.

ولقد أملت طويلا في أنكم ستسمعون صوتكم لشعبكم، وإني ما زلت أؤمل وأتجه لحكمتكم السامية لتصدروا أمركم للجميع بأن يلتزموا السكينة ويتبعوا العقل.

وحيث توجهتم إلي؛ فإني أطلب منكم أن تشكلوا باتفاق مع ممثل فرنسا حكومة وحدة وتهدئة؛ لكي يتم تكوين اللجنة الفرنسية التونسية المكلفة بإتمام الإصلاحات التي تراها حكومة الجمهورية في أقرب وقت ، فتأخذ هكذا تونس في السير - مع المحافظة على سيادتها وعلى أسرتكم وعلى مصالح فرنسا والفرنسيين المقيمين بتونس - نحو استقلالها الداخلي الذي يناط تحقيقه على حكمة القادة.

وأؤمل أن سموكم سيكون عند حسن الثقة التي ما زلت أضعها في استبصاركم السامي، وفي الصداقة التي امتازت بالوفاء والثقة كما تفضلتم بتذكيره، والتي أجدد في الختام التعبير عنها.

الإمضاء: فانسانت أوريول

وكان المقيم العام ارتكب فعلته وأعد العدة لارتكاب أخرى أشنع منها، وحصل على موافقة الحكومة الفرنسية، فكانت قوافل الدبابات والمصفحات في الصباح المبكر يوم 28 مارس تخرج من شوارع تونس متجهة نحو بلدة حمام الأنف، حيث حاصرت قصر الملك مع قوات أخرى عظيمة، وأخذت الطائرات النفاثة تملأ جو العاصمة وتحلق فوق القصر. ولما دخل المقيم لمقابلة الملك قبل الظهر بقليل، صحبة مبعوثي رئيس الجمهورية، كانت تلك الطائرات تصدع الآذان وتقترب من سطح القصر، حتى كادت تلمسه لإنزال الرعب في قلوب ساكنيه، فأجبر هكذا «دي هوتكلوك» - تحت تهديد السلاح - الملك على اتخاذ إجراءات ثلاثة؛ أولا: تسميه صلاح الدين البكوش كوزير أول وتكليفه بتشكيل الوزارة التونسية، ثانيا: تسمية المقيم العام وزيرا للخارجية، وثالثا: حل الديوان الملكي.

وقد اعترف «دي هوتكلوك» بعد دقائق، في المؤتمر الصحفي الذي عقده يومها إثر مغادرة القصر - على الساعة الواحدة وخمس وأربعين دقيقة - بتجبره وضغطه وعدوانه، قال: «لما رأيت أن لا شيء يجدي مع وزارة السيد شنيق التي لم تكتف بالتعنت، بل ازدادت عنادا يوما بعد يوم في موقف يعد بحق موقف كفاح وتحد، فكرت منذ زمن طويل، وكتبت فكرتي إلى وزارة الخارجية، أن حل المشكلة لا يكون إلا باستعمال القوة. ولكن أردت قبل ذلك أن أجرب جميع الطرق الأخرى فلم أفلح، ولم أرد أن تكون الشدة غاية، بل كنت أريد أن تكون وسيلة للسير بتونس نحو إصلاحات وعدت بها الحكومة الفرنسية، وكان من واجبي أن أبرزها لعالم الوجود بأقصى ما يمكن من التحرر.»

ناپیژندل شوی مخ