147

تونس ثائره

تونس الثائرة

ژانرونه

وكانت عاصمة تونس مسرحا للإضرابات والحوادث الآخذة بعضها برقاب بعض، ولم تكتف المدينة بإعلان الإضراب العام عندما بلغت فظائع الجيش الفرنسي بجهة الدخلة وغيرها من جهات القطر، بل تحرك الشعب، وانتظمت صفوفه في مظاهرات صاخبة قوية، فكانت الأيام الدامية تتوالى وتتجدد. وقد سارت الجماهير في مظاهرة كبرى يوم 4 فبراير، ولما وصلت إلى شارع مدريد التقت بالقوات الفرنسية المسلحة التي لم تمهلها، بل عاجلتها بإطلاق النيران، فسقط شهيدان يتخبطان في الدماء، وجرح عدد وافر. وفي نفس الوقت كانت مظاهرة شعبية أخرى تسير بشارع باب الخضراء متجهة نحو الحي الأوروبي، فاشتبكت مع الجيش الفرنسي واستشهد منها عدد وجرح عدد آخر.

وكان يوم 5 فبراير يوم حداد على الشهداء الذين سقطوا أمس ضحية العدوان الفرنسي المسلح، فخرج الشعب في مظاهرة كبرى، وسار المتظاهرون رباعي منتظمي الصفوف إلى سراي المملكة بالقصبة، وقابل وفد منهم الوزير الأول، واحتج على أعمال القوات الفرنسية.

وكانت المظاهرة التي قامت بها النسوة التونسيات يوم 15 فبراير من أروع مظاهر الوطنية، وفي الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر أحاط المتظاهرون - ومعظمهم من النسوة - بالإقامة العامة، وقد خرج كل فريق منهم من الشوارع المحيطة بها: شارع فرنسا، وشارع الجزائر، وشارع هولاندا، وكانت المتظاهرات يقمن بحركاتهن بسرعة خاطفة، وعند وصولهن كان المفوض بالإقامة العامة نازلا من سيارته ليدخل إلى عمارة الإقامة، وفي تلك اللحظة بالذات رمت امرأة قنبلة يدوية، وفي الحين - نظرا لقرب مراكز البوليس والجيش - أتى أعوان البوليس في سيارة، فرميت عليهم قنبلة ثانية، فانفجرت السيارة وجرح عونان جروحا خطيرة، واثنان آخران جروحا خفيفة، ورميت قنبلة ثانية على الإقامة من شارع هولندا، فحطمت شبابيك مكتب رئيس الديوان العسكري للمقيم العام.

ولا تسل عن الخوف الذي استولى على جميع الفرنسيين الذين كانوا في الحي الأوروبي، فكنت تراهم بين هارب يجري وصارخ يصيح، وأوصدت السينمات أبوابها وأغلقت الدكاكين ونزل الرعب في قلوب الفرنسيين، حتى إن جماعة منهم كانوا وراء جنازة داخلين إلى الكنيسة الكبرى أمام الإقامة العامة، ففروا تاركين جنازتهم.

واستشهدت إحدى الوطنيات ، وجرحت أخرى جروحا خطيرة، وكانت لا تخفي ابتهاجها بنجاح المظاهرة. وقد استخدم الجند أسلحة سريعة الطلقات، فجرحوا عددا وافرا من التونسيين، وأكثرها جروح خفيفة.

وبقيت مدينة تونس هائجة مائجة مضطربة مدة أشهر، وإذا اعتراها سكوت فهو سكون البراكين التي تنذر بالانفجار في كل وقت؛ فقد اجتمعت جماهير غفيرة من الشعب بعد ظهر يوم السبت 18 مارس بمسجد السبحة، وتناول الكلمة كثير من الشبان شارحين أعمال القمع والاعتقالات التي تفاقم أمرها بكامل البلاد التونسية، واحتجوا على ما قام به الفرنسيون من محاولة نسف بيت صاحب الدولة محمد شنيق رئيس الحكومة التونسية، وخرجت الجموع من المسجد في مظاهرة رهيبة، وسارت إلى أن بلغت ميدان شارع الجزيرة، وهناك التقت بقوات البوليس والجيش التي عمدت إلى تشتيتها وإلقاء القبض على بعض المتظاهرين.

وتعددت يوم 19 مارس المظاهرات، وخاصة بحي الحلفاوين والشوارع المجاورة له، فخرجت مظاهرة بعد أن نظمت صفوفها من ذلك الميدان، واخترقت شارع سوقي بالخير حتى بلغت باب الخضراء، وفي مفترق الطرق هاجمتهم القوات المسلحة، وكان عدد النساء كبيرا في تلك المظاهرة.

وتحركت مظاهرة أخرى في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر من الميدان نفسه، وجابت شارع الحلفاوين، وحين إشرافها على ميدان باب سويقة اعترضتها قوات البوليس.

وانتظمت مظاهرة ثالثة بالسوق الجديد من حي الحلفاوين، وسارت حتى بلغت شارع مدريد ثم افترقت.

وخرجت مظاهرة رابعة في الساعة الخامسة والنصف، وكانت أكثر عددا وأقوى نظاما، تسير في مقدمتها النساء والوطنيات.

ناپیژندل شوی مخ