134

تونس ثائره

تونس الثائرة

ژانرونه

الإمضاء: محمد شنيق

وتأثر جلالة الملك محمد الأمين الأول تأثيرا عميقا لما بلغه ما جرى في جهة الدخلة، وسعى حالا في إيقاف موجة الإرهاب الفرنسية بما لديه من وسائل، فأرسل عن طريق وزيره الأول برقية إلى الحكومة الفرنسية هذا نصها:

إن جلالة الملك المعظم قد تأثر كل التأثر من صرامة تدابير القمع الجارية الآن التي تسببت في عدة اعتداءات خطيرة على سلامة الأشخاص والمكاسب وعلى مباشرة السيادة التونسية، وقد تولت الحكومة التونسية إنهاء بعض الاعتداء إلى جناب السفير المقيم العام.

ونشرت تلك البرقية مع تصريحات الحكومة التونسية على الصحافة، فكانت رد فعل واضح على اعتداءات الفرنسيين.

لقد ظنت السلطات الفرنسية أن ما استعملته من عنف وما نشرته من تخريب ونهب وتنكيل وتقتيل، سيبعث الرعب والخوف في قلوب التونسيين، ويوقف تيار الوطنية فيهم، ويصدهم عن متابعة كفاحهم في سبيل حريتهم واستقلالهم؛ فيخفتون صوتهم ويختبئون في بيوتهم ويستسلمون استسلاما كليا للقوة الجبارة. وإذا بالآية تنعكس ويكذب شعب تونس آمال المستعمرين ويسفه أحلامهم ويحبط مؤامراتهم الدنيئة ويثبت أن قوة الحديد والنار لا توقف تيار الشعوب إذا أرادت الحياة.

ولم تضيع مدن الدخلة الجريحة ولا قراها المكلومة وقتها في النحيب والعويل، بل لم تفارقها القوات المعتدية حتى هب السكان جميعهم وقاموا بمظاهرات صاخبة محتجين ومعلنين لعزمهم على متابعة الكفاح.

وهب الشعب التونسي بأسره لمؤازرة المنكوبين والمضطهدين، وبمجرد ما وصلت إلى العاصمة أخبار الفظائع تكونت بها «لجنة إغاثة قومية» فأصدرت نداء للتونسيين ليؤازروا منكوبيهم، فتدفقت الإعانات من مال ولباس وطعام، وسارت القافلة الأولى نحو الدخلة بعد يوم وليلة، وتوالت إثرها القوافل، وازدادت حركة التآزر اتساعا يوما بعد يوم، ولم ينس منها الوطنيون المحرومون من حرياتهم سواء أكانوا بالسجون أم بالمعتقلات، وشملت جميع المنكوبين في القطر كله، وهبت كل مدينة تمون ما اقترب منها من معتقلات، ولنأخذ بعض الأمثلة من مئات: فقد كون الفرنسيون محتشدا ب «زعرور» قرب «ماطر» التي أخذت في تموينهم مرة بعد مرة، من جملتها يوم 10 مارس 52 وأصدرت لجنتهم الفرعية البلاغ الآتي: «لم ينس الماطريون إخوانهم المعتقلين بمحتشد «زعرور» رغم الظروف التي يجتازونها، فأرسلوا إليهم في سبيل الإغاثة 100 كيلو سكر، 100 كيلو صابون، 100 علبة سردينة، 400 علبة سجائر وكبريت، 500 كيلو برتقال، 50 خروفا، 200 كيلو خبز، 30 علبة فلفل، 10 آلات حلاقة، 200 شفرة للحلاقة، 200 ورقة وظرف للرسائل، 20 علبة شمع، 25 كيلو مربى، 5 كيلو قهوة، 3 أرطال نشوق، 2 كيلو فلفل مسحوق.»

وفي يوم 11 من الشهر نفسه أخذت مدينة جرجيس في الجنوب تستعد لإغاثة معتقل «جلال»، وقالت لجنتها الفرعية للإغاثة بتاريخ 12 مارس (عن جريدة الصباح التونسية): «تتأهب جرجيس لأخذ قسط وافر لإغاثة المنكوبين والمبعدين بالخصوص بجلال قرب (بنقردان)، فقد شرع الأهالي في جمع إعانة ذات بال شارك فيها التجار والموظفون والفلاحون من سوق جرجيس، وقد نجحت بفضل أصحاب الضمائر الأبية.»

وهذا أحد بلاغات لجنة الإغاثة الفرعية بمدينة سوسة (الصباح في 14 / 4 / 1952) تأسس هذا الفرع إثر حوادث شهر يناير، وأخذ يمد عائلات ضحايا سوسة والساحل بصورة عامة، واليوم توجه نخبة من أفرادها إلى طبلبة والمكنين والوردانين، حيث وزعت كميات كبيرة من المواد الغذائية تبرع بها أهل الفضل والإحسان من سوسة، وكذلك فقد حصلت نحو مائة عائلة منكوبة على مقدار من المال والملابس والأثاث المنزلية.

وقد قوبلت اللجنة المتجولة في كل من هذه القرى من طرف الأعيان والأحرار الوطنيين بكامل الحفاوة والتبجيل.

ناپیژندل شوی مخ