وبقيت تازركة محجرة على التونسيين وغيرهم، مقطوعة في الحقيقة عن العالم مدة أشهر متوالية، حتى إن جريدة «الصباح» التونسية كتبت في عددها الصادر بتاريخ 21 / 5 / 1952 ما يلي:
إن السلطات المحلية بتازركة تفتح تحقيقا مع كل قادم إلى تازركة في زيارة لأهله أو أصدقائه، وتمنعه من الإقامة بها أكثر من بضع ساعات، كما تفتح بحثا مع المضيف أو القريب الذي ينزل عنده الزائر، وهكذا حيل بين كثيرين من أفراد العائلات التازركية المقيمين بتونس وبين زيارتهم لذويهم، فهل طبق نظام السجون بتازركة؟! (أ) قرية بني خيار
طوق الجيش الفرنسي هذه القرية واحتلها من يوم الثلاثاء 28 يناير إلى يوم الجمعة أول فبراير، وهدم في اليومين الأولين ثمانية بيوت، هذه أسماء أصحابها: محمد بن علي الضاوي، حمدة بن محمد الشتيوي، محمود بن المولدي السيد، الصادق بن محمد يحيي، المولدي بن حسين بن ناجي، محمد زرياط، ورثة الشيخ حامد زمتر، ورثة محمود سلامة.
وكانت الدبابات وهي تنتقل بناحية مقبرة القرية أصابت بعض البيوت فألحقت بها ضررا، وقد جمع الجنود في بيتين اثنين جميع الأثاث وأضرموا فيه النار، وأحرقوا مكتبة قيمة للسيد المشارفي، وكانت بها مؤلفات ثمينة وكمية من المال، ونهبوا بيوتا كثيرة منها بيت محمود بن محمد عزوز والعورسي بن محمد بوسنينة، كما نهبوا دكان ساعاتي وأرغموا محمد بن الحبيب هويسة على إحضار كمية كبيرة من الطعام وتقديمها للجنود، فقال أحدهم لمضيفهم بينما كانوا يتناولون الطعام: «هذا بيت جميل لا ينقصه إلا شحنة من الديناميت»، وكانت نكتة لها وزنها واعتبارها.
وقد اضطروا تحت التهديد أحد قدماء المحاربين إلى تسليم شقيقه عبد القادر الذي كان الجنود يبحثون عنه؛ لأنه من أتباع الحزب الحر الدستوري التونسي الجديد، وبعد ذلك نسفوا بيت المحارب القديم.
وجمعوا معظم رجال القرية في مقهى وحكموا عليهم بالوقوف طوال ليلة كاملة ، وإذا حاول أحدهم الجلوس بعد أن ناله التعب والجهد انهال عليه الجنود ضربا مبرحا، وهجموا على بقية الناس وطعنوهم بالسونكي في ظهورهم.
وقد حاول الجند اغتصاب منوبية بنت صالح وسنها 25 سنة، فاندفع أربعة رجال للدفاع عنها فأصيب واحد منهم بطلقات من مدفع رشاش فسقط جريحا.
ولا يتصور التونسيون أن العساكر الفرنسية يمرون بمكان من غير أن ينشروا التخريب والاغتيال والتعذيب والتنكيل، وقد عذب محمد بن محمد عزوز أحد قدماء المحاربين في بيته، وأرغمه الجنود على حفر قبره بنفسه ووضعوه فيه حيا وهالوا عليه التراب، وكانت له يد مبتورة بقيت خارج القبر، وأخذ يستغيث وكان منظره مزعجا رهيبا. ولما علم الجنود أنه من قدماء المحاربين الذين كانوا معهم في أثناء الحرب أخرجوه من القبر، ولكنهم تمادوا في تعذيبه والتنكيل به طوال الليل، وأخيرا أحرقوا متاعه أمام عينيه وأتلفوا مكاسبه، ثم تركوه هو وأبناءه العشرة - وغالبهم صغار - في حالة من التعاسة والبؤس والفاقة يرثى لها، وقبل أن يغادروا البيت طعنوه بالسونكي من خلف قائلين له: لا بد أن يبقى في جسمك أثر كذكرى لهذه الليلة.
وجرحوا عددا من السكان من بينهم حمادي بن خميس مرابط ومحمود بن خميس مرابط ومحمود بن محمد عزوز، وقتلوا محمد بن أحمد الجمالي بينما كان يتبول.
وقد فرضت على «بني خيار» غرامة حربية قدرها مائة ألف فرنك. (ب) مدينة قربة
ناپیژندل شوی مخ