وأما الثاني: فإن الآداب المتوجهة لدفع المفاسد لها مصارف معينة، غير أعوان القضاة الذين قد تقررت أرزاقهم، وهو الجند والعسكر الذي يقع بهم التنفيذ، وعليهم تدور دفع المفاسد، ولمثلهم أرصدت الآداب، ولمثلها[15/أ] أرصدوا، وذلك من فرض الولاة الذي ينهي إليهم الحكام حال المتمرد عما وجب عليه من حق فيحسب ذلك من أرزاقهم الذي ليس لهم غيرها، ويلتحق بذلك ما قد تدعو إليه الحاجة من أجرة ما يحتاج منه إلى عمل ممن لا تعلق له برزق من المغانم ولا من المصالح ولا من الآداب المفروضة لدفع المفاسد، كمن يستعين به من الزرعة إلا جانب في قسمة أو تقويم تعود مصلحته على المتحاكمين، وترجع منفعته إلى المتخاصمين وهوفي حقيقة الأمر عامل لهم مع عدم من يقوم بذلك على وجه ممن استقر رزقه في أموال الله، وإنما دعت إليه الضرورة، إن الحاكم ومن ينوب من قبله غير بصير في المطلوب منه، وأجرته بتراض بينه وبين الخصمين إن أمكن، وإلا فرض له الحاكم بالعدل والقسط على وجه لا يقارنه تهمة ولا جور، للإضطرار إلى مثل ذلك في بعض الأحوال، بل لأنه يكون أقرب إلى العدل وأبعد عن تعلق التهمة بالحاكم، ويوهم الإدلاء إليه في أكل أموال الناس بالباطل ، كما قال الله تعالى:{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} وهذه الآية وما يشابهها من كتاب الله عز وجل من أعظم ما ينبغي أن يعتبر بها حكام الشرع المطهر أعزه الله، ويحملون أنفسهم على التباعد عن موضع كل تهمة أو مضنتها ولذلك كان مرجوا مع الكلام النبوي قوله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم )) .
مخ ۱۵۳