252

تحفة الاسماع او الابصار

تحفة الأسماع والأبصار

تنبيه: اعلم أن هذه العبارة السابقة لم تشتمل على ما لا ينبغي إغفال ذكره من صفات هذه البلاد التي كان سفرنا إليها من (بيلول) إلى بلاد الحبشة، وما قاسيناه فيها من الشدة الشديدة، والأهوال العديدة، فأعظمها بعد الذي وصفناه من الخوف انقطاع الزاد بسبب إقامتنا الطويلة في (بيلول) ثم في (عين ملى) مع تحيرنا في غيرهما مقدار اليومين والثلاث، وهذه التحيرات ما كانت معروفة لنا في ابتداء سفرنا، نعد لها الزاد المبلغ، فاستغرقنا الزاد مع تجويزنا السفر كل يوم. ولما تقاصر الزاد وكانت هذه البلاد لا يعرف فيها وجود الطعام ولا يزرع فيها شيء من الحبوب، وإنما نفقاتهم اللبن والسمن واللحم، وكنا نحن ومن معنا لا نعد ذلك من معتاد النفقة، على أنا قد اعتمدناه لعدم غيره حيث نجده، وفي أكثرها هو غير موجود، إلا أنا في هذه البلاد المقفرة نشتري الغنم، ونعدها معنا ونذبح منها، ولكن قل ما ينفع ذلك كنفع الطعام، ولا دفع المشقة التي أنهكت القوى، وأنحلت الأجسام، ولقد كان جماعة العسكر يتبعون ثمر الأشجار، وأكثرها نفعا لهم ثمر الدوم المعروف بالبهش، وليس بالدوم الذي هو ثمر السدر، وكانوا يستصحبونه زادا في بعض المراحل حيث يخشون انقطاعه، ثم بعد هذا حقارة الماء، وانقطاعه في كثير من المراحل فقد نحمله في بعضها ليومين كاملين، ولا نجده إلا في الثالث، ثم إن في خلال إقامتنا في عين ملى تلك المدة الطويلة، كانوا يأتون به من بعد على مقدار نصف البريد، حتى إن الذي يغدوا للماء بعد صلاة الفجر لا يرجع إلا وقد آن وقت الظهر، ومع هذا كله سوء مخالطة من يخالطنا من البدو المذكورين، وما نشاهده من البدع في الدين، وكثير ما يتفق بيننا وبينهم من الأسباب، ما يثير دفاين شرهم، ويظهر معه سوء مكرهم، ولا يفزعون إلا إلى أسلحتهم ومن معنا كذلك وقع ذلك مرات متعددة لولا دفاع الله وحمايته وكفايته، فالحمد لله الذي نجانا من مكرهم، وحال بيينا وبين شرهم، حمدا يوازي عظيم نعمته، ويكافي ما نحصيه من جلايل فضله ولطفه ورحمته[86/أ]، ولا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم.

فائدة في تقدير مسافة هذه الأرض المتوسطة بين ساحل بحر (بيلول) وبين بلاد ملك الحبشة وقياسها -على تقدير غالب الظن- مسيرة شهر للقوافل، يزيد قليلا أو ينقص قليلا، وفوق كل ذي علم عليم.

مخ ۳۷۷