وأما رتبة الحصن المحروس بالله، فإنهم اشتغلوا به كما سيأتي إن شاء الله تعالى، مما أخبرني من شهد ذلك أنه كان يسود خطوط الدعوة على ضرب من الاختصار، وكان كل من حضر مجلسه يسود لنفسه ويأتي إلى الإمام فيعلم عليها فما كان ثاني شهر أو ثالثه إلا وقد جمع الله تعالى له اليمن من مكة إلى عدن، وقد صارت عساكره وخيله لا تكاد تنحصر، فهل المراد بكلام أهل المذهب لم يتقدمه مجاب عبارة (الأزهار) أو انهض منه[4/أ] كعبارة (الأثمار) أو أكمل كعبارة (الفتح الغفار) غير هذا مع غير ذلك من الترجيحات، مما أقصر الفهم عن إدراكه وكل الوهم لضعف التصرف في جوامع ملاكه، وأعلم أن الله سبحانه وتعالى ألقى في قلوب المسلمين لمولانا أمير المؤمنين الميل الشديد والحب الأكيد، والأمل الصالح، والفضل الراجح، غير أنهم ربما يرون في أيام دعوته الميمونة أنه -عليه السلام- لا يقوى على هذا التكليف العظيم، والفرض والواجب العميم، لما عليه الناس من الاختلاف، وذلك أنه -عليه السلام- في أيام أخيه مولانا أمير المؤمنين المؤيد بالله لا يعرف أحوال الناس لانشغاله في الطلب والإكباب عليه سمرا وسحرا، وآصائلا وبكرا، فلما صار الأمر إليه، ودارت حوائج الإسلام عليه زاده الله في هذا الشأن، ما ظهر لأهل الإيمان وفاق به الأقران، وإن الله سبحانه وتعالى ألقى عليه الهيبة والجلالة، والقدرة في كل حالة على القيام بهذا الفرض العظيم والتكليف الجسيم، بما لا يقال له فيه قرين، ولا ما يقرب منه في أمر الدنيا والدين، فإنه -عليه السلام- يلي أكثر الأعمال بنفسه الشريفة، ويباشرها بيده الكريمة حتى في نفقات الوافدين من الأمراء والسلاطين، والفقراء والمساكين، على ضرب من التفضيل. مما أخبرني الثقة ممن شهد ذلك أنه -عليه السلام- ظن في مخازن بيت المال تقصيرا فقصد المخزن وأمر بالصرف في الناس حتى أتى على آخرهم، ومن ذلك أن أغلب خزاين بيت المال وصرفها بيده وأن ما يوجه اسما لمعين إلى خازن معين، ولم يكن في يديه غير ما أعطاه -عليه السلام- وعينه.
مخ ۱۰۵