في البسملة ونحوها بدلا وما بعده نعت له لا لاسم الجلالة إذ لا يتقدم البدل على النعت وأما تسمية مسيلمة رحمن اليمامة وقول شاعرهم فيه وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا فمن باب التعنت في الكفر والخروج عن قانون اللغة كما قيل وفي الحديث الرحمن اسم خاص بصفة عامة والرحيم اسم عام بصفة خاصة وفي حديث آخر الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة وفي الدعاء المأثور يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة وفيهما إيماء إلى معنى العموم والخصوص فيهما فإن الرحمة في الدنيا تعم الصالح والطالح بخلافها في الآخرة وبما تلوناه ظهر لك في الجواب عن السؤال بأنه لم قدم الرحمن مع أن تقديم غير الأبلغ فيقال عالم نحر يرد جواد فياض وجهان وقيل إن الرحمن لما دل على جلائل النعم وأصولها فتعقيبه بالرحيم من قبيل التتميم ليشمل ما خرج منها وفيه أنه غير مرتبط بالسؤال وإنما يصلح وجها للجمع بينهما ومن ثم لو عكس الترتيب لكان الشمول المطلوب حاصلا أيضا وربما يقرر بوجه آخر وهو أن الملحوظ أولا في باب التعظيم والثناء هو عظايم النعماء وجلائل الآلاء وما عداها يجري مجرى التتمة والرديف وهو أقرب إلى السداد وأسلم من الايراد وأما ما في بعض الأدعية يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما و يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا فمن باب التوسع أو لاختلاف الاعتبارات الحمد لله انشاء للحمد وهو الثناء على ذي علم بكماله بالجملة الاسمية الدالة على الاستمرار والدوام لأنه أبلغ في المرام و أليق بالمقام واللام الأولى جنسية أو استغراقية والثانية اختصاصية تفيد القصر على المشهور والموصول في قوله الذي أوضح بأئمة الهدى بصلته ومتعلقاتها نعت أتى به للمدح مع ما فيه من بسط الكلام حيث الاطناب مطلوب والتبرك بذكرهم (ع) والتنبيه من أول الأمر على أن موضوع الكتاب إنما هو من علوم أهل البيت صلوات الله عليهم ففي الحديث كل علم لم يخرج من هذا البيت فهو باطل والباء للآلة والإضافة لامية إما لملابسة الآلية كما في ثوب الزينة أو السببية كما في سفينة النجاة أو الفاعلية كما في ذباب العسل وطوى المضاف إليه للتعميم أو هو المذكور تجوزا ايذانا بأن الحق يدور معهم حيث داروا والجار في قوله من أهل بيت النبوة للنبيين أو للتبعيض متعلق بمحذوف وفي قوله عن دينه القويم بفعل الإيضاح لتضمنه رفع الإبهام عن الموضح ودين الله المعتدل هو الاسلام الذي ارتضاه الله دينا لهذه الأمة المرحومة بتبليغ النبي المختار صلى الله عليه وآله والناس يومئذ خابطون في الجهالة تائهون في العمة والضلالة فاليهود في نكدهم ومساويهم والنصارى في توسعهم ومخازيهم والمجوس في سرفهم وتعظيمهم النيران والهنود في حيرتهم وعبادتهم الثيران والعرب في جلافة طباعهم ورداءة أوضاعهم والعجم في ترفهم واتباعهم الشهوات وعكوفهم على الأباطيل واللهوات فندبهم جزاه الله خير ما جزى نبيا عن أمته إلى الصواب والسداد ونظم لهم أمور المعاش والمعاد ودعاهم عن الميول الباطلة والأهواء الزائغة إلى العدل والصلاح والرشاد بحيث إن كل عاقل لبيب رزق حظا من الانصاف إذا أمعن النظر في كليات قواعد الملل والنواميس التي يتدين بها يضطر من نفسه إلى الاذعان بأن أشرفها وأعدلها وأقربها إلى النجاة وأكملها وأحقها بالقبول وأمثلها حتى أن الملاحدة المنكرين للنبوات المعتقدين في الأنبياء أنهم حكماء راسخين معترفون بأن الصادع به كان أكمل الحكماء وأقومهم نفسا وأوسعهم نظرا وأدقهم فكرا وأصوبهم رأيا وأرسخهم حكمة وأحسنهم سياسة وأعلمهم بمصالح الخلق في دهره وفي الدهور المتطاولة الغابرة لما يرونه بالنظر الكلي من رزانة قوانين الاسلام واتقان الشرع الأقدس ونظامه الأكمل الأتم وصلاحه الأوفى الأعم وإحاطته بجميع ما لا بد منه مما له مدخل في سعادة الدين والدنيا بحيث لا يكاد يفرض أمر من الأمور الكلية والجزئية كائنا ما كان إلا وشملته أحكام الشريعة الواسعة البيضاء على الوجه اللائق وله فيها حد لا يسوغ التعدي عنه والتخطي إلى ما سواه بما فيها من السماحة والسهولة واليسر والخلوص عن الحرج والإصر والعسر ومن ثم من الله على عباده في غير موضع من كتابه بأن هداهم للاسلام وجعلهم أمة وسطا وحيث إن الشريعة المحمدية باقية مستمرة بامتداد زمان التكليف اقتضت الحكمة البالغة الإلهية والرحمة الواسعة السبحانية أن يقوم بالأمر بعد انقضاء عهد النبوة من يتم به الحجة في كل عصر على أهله يبين لهم من أحكام الدين ما أبهم عليهم ويفصل لهم من العلوم والمعارف التي ورثها عن النبي ما يحتاجون إليه مما لم يبلغهم عنه أو بلغهم اجمالا ولم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وهو الخليفة الحق والإمام المطلق فصارت الأئمة (ع) وسائط في ايضاح الدين وهداية المهتدين كما أن الآلة واسطة بها يعالج الفاعل فعله ومن ثم يسند الفعل إلى الفاعل تارة ويدخل الباء على اسم الآلة إن ذكر فيقال رأيته بعيني وإلى الآلة أخرى فيقال رأته عيني ومساق الكلام على الوجهين على وجه وأبلج أي أوضح بأنوار آثارهم وهي الأخبار المتضمنة لحكاية أقوالهم أو أفعالهم أو تقريراتهم والإضافة الأولى إما بيانية كما في لجين الماء أو من الاستعارة المكنية المخيلة أو لامية كالثانية فالثاني لا غير وهو من أحسن التشبيهات ففي الحديث النبوي أن على كل صواب ويقرب منه القول في قوله في ظلمات البدع والأهواء والبدع جمع بدعة بكسر الباء وهي في اللغة اسم من ابتدع الأمر إذا ابتداه وأحدثه كالرفعة والخلفة من الارتفاع والاختلاف وفي الشرع قيل هي احداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين (ع) في معاني الأخبار أن السنة ما سن رسول الله والبدعة ما أحدث بعده وإليه نظر العلامة في نهاية الأصول من قسمها إلى الأقسام الخمسة قال العلامة في نهاية الأصول والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قول الشريعة فإن دخلت في قواعد الايجاب فهي واجبة كالاشتغال بعلوم العربية التي بها يفهم كلام الله وكلام رسوله وتدوين الحديث والكلام في الجرح والتعديل لأن حفظ الشريعة واجب ولا يتأتى إلا بذلك وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب أو في قواعد التحريم فمحرمة مثل مذاهب القدرية والمرجئة والمجسمة والرد على هؤلاء من البدع الواجبة أو الندب فمندوبة كاحداث الربط والمدارس وكل احسان لم يعهد في العصر الأول أو الكراهة فمكروهة كزخرفة المساجد
مخ ۲