الحديث وتنقسم الجرائم ثالثة إلى كبيرة وصغيرة ممتازة كل منهما عن الأخرى حقيقة وتكفر الصغيرة مطلقا باسقاط عقابها المستحق باجتناب الكبيرة مطلقا قال الله (تع) أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم والمراد بالسيئات الكبائر بقرينة المقابلة وقيل إن الصغيرة المكفرة هي ما كانت مقدمة لكبيرة مجتنبة لله سبحانه بعد الاشراف عليها والتمكن منها كما لو تمكن من الزنا فكف نفسه عن الوقوع واقتصر على المس والنظر فإن مجاهدته نفسه في الكف عن الوقاع أشد تأثيرا في تنوير قلبه من اقدامه على المس والنظر في اظلامه ولو كان عنينا أو كان الامتناع لخوف ونحوه فلا تكفير ومن يشتهي الخمر والأوتار فأمسك نفسه بالجهد عن الخمر وأطلقها في السماع فمجاهدة النفس بالكف عن الخمر تمحو عن قلبه الظلمة التي ارتفعت عليه من معصيته السماع بخلاف من لا يشتهي الخمر بطبعه فإن سماعه للأوتار لا مكفر له حينئذ والكبيرة ما أوجب الله عليه النار كما في رواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع) وكذا رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) وغيرهما وقيل ما أوعدها عليها وهو أعم من الأول لتطرق الاخلاف إلى الابعاد المطلق بخلاف الايجاب ولو ادعاء ويشهد له كثير من الروايات والوجه في الجمع حمل العام على الخاص وفي بعض الأخبار دلالة ظاهرة على ذلك مع التصريح بأنها سبع مثل صحيحة الحسن بن محبوب قال كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (ع) يسأله عن الكبائر كم هي وما هي فكتب (ع) الكبائر ما اجتنب ما أوعد الله عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا والسبع الموجبات قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين وأكل الربا والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف ومثله رواية أحمد بن عمرو الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام وفي صحيحة محمد بن مسلم عنه (ع) الكبائر سبع قتل المؤمن متعمدا وقذف المحصنة والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الربا بعد البينة وكل ما أوجب الله تعالى عليه النار وفي معناها رواية العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا (ع) ويستفاد منهما أن للإيجاب درجات بعضها فوق بعض وأن المعدودات هي المؤكدات منها ويؤكده حديث أبي الصامت عن أبي عبد الله (ع) قال أكبر الكبائر سبع ثم عدها والمراد بقتل النفس الحرام ازهاق الحياة من النفس المحترمة بالاسلام أو ما في حكمه كما هو الظاهر أو بالايمان حرا كان أو رقا ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا حتى الجنين مباشرة أو تسبيبا بقطع أو ضرب أو احراق أو اغراق أو ارداء أو سقي سم أو اغراء كلب أو غير ذلك وإن لم يوجب القصاص والكفارة وقد شدد الله أمر القتل عظيما وجعل من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا لهتكه حرمة الدماء وتسنينه سنة القتل وتجرئة الناس عليه وعن أبي جعفر (ع) يوضع في موضع من جهنم إليه ينتهي شدة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعا كان إنما يدخل ذلك المكان قيل فإن قتل أخر قال يضاعف عليه وعن أبي عبد الله (ع) من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها وبعقوق الوالدين تضييع حقوقهما حيين أو ميتين وقد أمر الله سبحانه بالاحسان إليهما في سبعة مواضع من القرآن وعن أبي عبد الله (ع) أدنى العقوق أف ولو علم الله شيئا أهون منه لنهي عنه وفي حديث آخر من العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما وفي حديث هشام عنه (ع) أن صوم الولد تطوعا بدون إذن الوالد من العقوق ويلوح من بعض الأخبار أن تضييع الوالدين حقوق الولد عقوق أيضا ففي الحديث يلزم الآباء من العقوق لأولادهم ما يلزم الأولاد من العقوق لآبائهم وفيه لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما وفي رواية الكناسي عن أبي عبد الله (ع) والذي إذا دعاه أبوه لعن أباه والذي إذا أجابه ابنه يضربه والاكثار في الحث على بر الوالدين والنهي عن عقوقهما دون الأولاد من أسرار حكمة الشريعة فإن كل ما إليه محرك من الطبع لا حاجة إلى الترغيب والتأكيد فيه كثيرا في الشرع بخلاف مالا باعث إليه طبعا فإن الحاجة إلى الحث عليه والمبالغة في المنع عن مخالفته شديدة جدا وهذا أصل ينفعك في مواضع كثيرة في الأفعال والتروك جميعا ويستفاد من كثير من الأخبار والآثار أن محافظة حقوق المشايخ والمعلمين من أقوى البر وتضييعها من أفحش العقوق وقد تقدمت الإشارة إليه ويأتي لهذا تتمة في باب المعاشرة وبأكل الربا الانتفاع بالمعاملة الخاصة مطلقا وإنما خص الأكل لأنه أظهر الانتفاعات ومثله في أكل مال اليتيم وورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الربا وأكله وموكله وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه ومن تأمل في حكمة الباري جل شأنه في خلق النقود والأطعمة الربوية وعنايته (تع) بمصالح العباد وشدة احتياجهم إلى المعاوضات المقتضية لتحليل البيع انكشف له الوجه في تحريم الربا من غير ريب كما يأتي في كتاب الكسب وكذا تحريم أواني الذهب والفضة فإن ذلك كله ظلم ووضع للشئ في غير موضعه ومضادة للحكمة الإلهية وبالتعرب بعد الهجرة أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد قاله ابن الأثير وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) التعرب و الشرك واحد وفي كلام بعض علمائنا أن التعرب في زماننا هذا أن يشتغل الانسان بتحصيل العلم ثم يتركه وقال المصنف في الوافي لا يبعد تعميمه لكل من تعلم آداب الشرع وسننه ثم تركها وأعرض عنها ولم يعمل بها وفي معاني الأخبار عن أبي عبد الله (ع) قال التعرب بعد الهجرة التارك لهذا الأمر بعد معرفته والمشهور أن التعرب بالمهملة وربما يضبط بالمعجمة والأول أوفق بالتعميم وبقذف المحصنة رمي العفيفة بالفاحشة حرة أو أمة ذات بعل أو خلية مواجهة أو غايته وبالفرار من الزحف الانهزام من جيش الكفار والزحف الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون وقيل الكثير بحيث يرون من كثرتهم كأنهم يزحفون أي يدبون من زحف الصبي إذا دب على مقعده والزحف أيضا تقارب القدم إلى القدم فهذا بيان السبع الموجبات المعدودة في حديث الحسن بن محبوب اجمالا وزيد في غيره ذنوب أخر روى ثقة الاسلام في الكافي والصدوق في الفقيه وعيون الأخبار في الصحيح عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله (ع) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ثم أمسك فقال أبو عبد الله (ع) ما أسكتك قال أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله فقال نعم يا عمرو أكبر الكبائر الاشراك بالله يقول الله أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وبعده الإياس من روح الله لأن الله يقول إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وبعده إلا من من مكر الله لأن الله يقول فلا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون ومنها عقوق الوالدين لأن الله جعل العاق جبارا شقيا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لأن
مخ ۱۸