الحديث ويتجنب الاكثار والالحاح في المسألة كما في الحديث المتقدم وفي حديث آخر نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن القيل والقال وافساد المال وكثرة السئول وعما لا يهمه فإنه من الخوض فيما لا يعني المذموم كما يأتي ويتخير الوقت المناسب ويغتنمها عند طيب نفس الشيخ وفراغ باله والخلوة وهذا حسن السئول وفي الحديث النبوي حسن السئول نصف العلم وكان النصف الآخر حسن الحفظ أو حسن التفكر وتقديم الأهم من العلوم فالأهم فإنها وإن كانت مرتبطة بعضها ببعض إلا أن لكل منها مرتبة ومقاما معلوما فلا يشتغل بالغايات قبل المبادي ولا بالنتائج قبل المقدمات ولا باختلاف العلماء في العقليات والسمعيات قبل إتقان الاعتقادات فيختل ذهنه ويحار عقله ويضيع سعيه ويعسر عليه طلبه بل يلاحظ الترتيب اللائق فيكون ممن أتى البيوت من أبوابها ويتسهل له درك البغية ونجح الأمنية فيشتغل أولا بحفظ كتاب الله وتجويده ليكون مفتاحا صالحا ومعينا ناجحا وليستنير القلب به ويستعد بسببه للإحاطة بباقي العلوم ثم بالعلوم العربية فإنها أول آلات الفهم وأعظم أسباب العلم الشرعي لأن الكتاب والسنة عربيان فيتقن التصريف والنحو واللغة والمعاني والبيان اتقانا جيدا بحيث إذا عرضت عليه عبارة عربية غير موحشة قوي عليها ويكفيه في غريب اللغة أصل مركون إليه يراجعه عند الحاجة ثم بالمنطق ويحقق مقاصده فإن له مدخلا عظيما في تقويم الفكر واصلاح صور الأقيسة ولا يبالغ فيه مبالغته في العربية إذ المقصود يحصل بدونها ثم بالعقليات كالإلهي وشئ من الطبيعي يتشحذ به ذهنه ويرسخ فيه ملكة الاستدلال وينظر في أصول الفقه ودراية الحديث والرجال ويتعرف الاصطلاحات الموضوعة بين أهلها ثم يشتغل بالحديث والتفسير وليمعن النظر في كشف أغوار كلام الله فإنها لا تقف على حد وهو بحر عميق ولا يقنع بما ذكره المفسرون وليكن كثير التفتيش عن الروايات المأثورة في تفسير الظهور والبطون فإن فيها من علوم الأسرار شيئا كثيرا وليتقن من فقه الأحكام الشرعية طرفا صالحا ويطلع على أقوال الفقهاء رضوان الله عليهم ومواقع الخلاف والاجماع ولا يكتفي في ذلك بالمتون الوجيزة فإن الشروح والكتب الاستدلالية أكثر فائدة وأوفى بالمقصود وإذا اشتغل بفن فلا ينتقل عنه حتى يتقن فيه كتابا أو أكثر إن أمكن وليحذر التنقل من كتاب إلى كتاب ومن فن إلى آخر من غير موجب فإن ذلك علامة العجز وعدم الفلاح وليأخذ من كل فن حظه ويصرف تمام قوته في العلوم الدينية الأخروية مما يوجب كمال النفس وتزكيتها بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ومرجعه إلى معرفة الكتاب والسنة ومكارم الأخلاق وما ناسب ذلك والمذاكرة مع أقرانه من الطلبة الصالحين فإنها نعم المعين على الحفظ و رسوخ العلم في الذهن وانتعاش النفس وتوسع القلب وفي الحديث النبوي إن الله عز وجل يقول تذاكر العلم بين عبادي مما يحيي عليه القلوب الميتة إذا هم فيه انتهوا إلى أمري وفيه تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا فإن الحديث جلاء للقلوب إن القلوب لترين كما يرين السيف جلاؤه الحديث وعن أبي جعفر (ع) رحم الله عبدا أحيى العلم قيل وما احياؤه قال إن يذاكر به أهل الدين وأهل الورع وعنه (ع) تذاكر العلم دراسة والدراسة صلاة حسنة وقد يترائى كون المناظرة من جملة أنواع المذا كرة بل أقوى أنواعها لما تلزمه غالبا من استحضار الذهن وتذكر الأدلة وتنقيحها والفحص عن دلالتها وتشحيذ الخاطر ورياضة الفكر وتقوية النفس لدرك المآخذ وترغيب الناس في العلم ونحو ذلك لكنها كثيرة الآفات غير مأمونة التبعات والتحفظ على شروطها وآدابها على وجه السلامة في غاية التعسر و الصعوبة إلا ما رحم ربي فالأولى ترك المناظرة إلا مع الاضطرار كتجدد قضية واقعة أو مترقبة لا يسعه الجهل بحكمها ولا يثق بنفسه إذا انفرد بالنظر فلا بد له من الاستعانة بنظر غيره من الثقات المأمونين فيقتصر على قدر الحاجة وهي معرفة حكم ذلك المشكل الواقع أو القريب منه ولا يتخطى إلى غيره من النواد وكما تتفق كثيرا وليكن ذلك في الخلوة فإنها أجمع للهم وأحرى بصفاء الفكر ودرك الحق وأبعد من حركة دواعي الريا والحرص على الافحام وأن يكون في طلب الحق كمنشد ضالة يكون شاكرا متى وجدها ولا يفرق بين أن يظهر على يده أو يد غيره فيرى طرفا مشيرا وناصحا ومعينا لا خصما ويتناظران على سبيل التشاور والتناصح والتعاون دون الخصومة والمغالبة شاكرا للمصيب إذا عرفه خطأه كما لو أخذ طريقا في طلب ضالته فنبهه غيره عليها في طريق آخر معترفا بالخطأ إذا ظهر منه غير مهتم بظهوره من الطرف فإنه من المراء المذموم وقد بلغك ما فيه مقدما لافحام النفس الأمارة بالمراء والخصومة وحب الافحام وكل سوء وطرد الشيطان المسؤول لهذه الذمايم وهو أول الممارين حيث قال خلقتني من نار وخلقته من طين فينبغي افتتاح الأمر بافحامه وابعاده و فهذه أصول ما يتأدب به المناظر ليخلص من آفاتها ويسلم من تبعاتها انشاء الله (تع) والتمسك في الأصول الاعتقادية من اثبات الصانع وصفاته وما يتبع ذلك من الإلهيات بمحكمات الكتاب والسنة بمعونة الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها فلا يقال إن ثبوت الكتاب والسنة والأنبياء والشرايع متوقف على ثبوت الصانع وصفاته فكيف يعرف الصانع وصفاته بالكتاب والسنة وذلك لأنه لو لم يكن الصادع بهذا الدين القويم الذي استوفى المحاسن كلها كما سبقت الإشارة إليه مقبول القول ومعصوم الفعل لكان فيه الحجة أيضا لمطابقته لمقتضى العقول الرزينة والفطر السليمة التي لم يخرجها عن صرافتها الأصلية مخرج على أن ما يتوقف عليه الشرع من معرفة الصانع وصفاته يجري مجرى الضروريات التي يحكم بها كل ذي أدنى مسكة ومن مواقع الاجماع المقطوع به قال الله (تع) ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله فظهر أن ما ورد في الشرع كاف في الاهتداء إلى سبيل الحق مع ما جبل عليه أهل السلامة من الفطرة المعبر عنها في بعض كلمات أمير المؤمنين (ع) بالعقل المطبوع ولا حاجة إلى تكلفات المتكلفة وكلمات المتكلمين في إبداء الأدلة وإقامة الحجج ومن ثم لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله الذي كان أعقل العقلاء باتفاق العقلاء إلا بالتمسك بالثقلين وأخبر في الروايات بين فرق الاسلام كلها أن المتمسك بهما لن يضل أبدا
مخ ۱۳