أَن أصل الدّين فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْأُمُور الْبَاطِنَة من الْعُلُوم والأعمال وَأَن الْأَعْمَال الظَّاهِرَة لَا تَنْفَع بِدُونِهَا كَمَا قَالَ النَّبِي ﷺ فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده الْإِسْلَام عَلَانيَة وَالْإِيمَان فِي الْقلب وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي ﷺ الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَين ذَلِك امور مُشْتَبهَات لَا يعلمهُنَّ كثير من النَّاس فَمن اتَّقى الشُّبُهَات اسْتَبْرَأَ لعرضه وَدينه وَمن وَقع فِي الشُّبُهَات وَقع فِي الْحَرَام كَالرَّاعِي يرْعَى حول الْحمى يُوشك أَن يَقع فِيهِ أَلا وَإِن لَك ملك حمى أَلا وَإِن حمى الله مَحَارمه أَلا وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله وَإِذا فَسدتْ فسد لَهَا سَائِر الْجَسَد وَهِي الْقلب وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ الْقلب ملك والأعضاء جُنُوده فَإِذا طَابَ الْملك طابت جُنُوده وَإِذا خبث خبثت جُنُوده فصل وَهَذِه الْأَعْمَال الْبَاطِنَة كمحبة الله وَالْإِخْلَاص لَهُ والتوكل عَلَيْهِ وَالرِّضَا عَنهُ وَنَحْو ذَلِك كلهَا مَأْمُور بهَا فِي حق الْخَاصَّة والعامة لَا يكون تَركهَا مَحْمُودًا فِي حَال وَاحِد وَإِن ارْتقى مقَامه وَأما الْحزن فَلم يَأْمر الله بِهِ وَلَا رَسُوله بل قد نهى عَنهُ فِي مَوَاضِع وَإِن تعلق أَمر الدّين بِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى آل عمرَان وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا وَأَنْتُم الأعلون إِن كُنْتُم مُؤمنين وَقَوله النَّحْل وَلَا تحزن عَلَيْهِم وَلَا تَكُ فِي ضيق مِمَّا يمكرون وَقَوله التَّوْبَة إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا وَقَوله يُونُس وَلَا يحزنك قَوْلهم وَقَوله الْحَدِيد لكيلا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم وأمثال ذَلِك كَثِيرَة وَذَلِكَ أَنه لَا يجلب مَنْفَعَة وَلَا يدْفع مضرَّة وَلَا فَائِدَة فِيهِ ومالا فَائِدَة فِيهِ لَا يَأْمر الله بِهِ نعم لَا يَأْثَم صَاحبه إِذا لم يقْتَرن بحزنه محرم كَمَا يحزن على المصائب كَمَا قَالَ النَّبِي ﷺ إِن الله لَا يُؤَاخذ على دمع الْعين وَلَا حزن الْقلب وَلَكِن يُؤَاخذ على هَذَا وَيرْحَم وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى لِسَانه وَقَالَ تَدْمَع الْعين ويحزن الْقلب وَلَا نقُول إِلَّا مَا يرضى الرب وَمِنْه قَوْله تَعَالَى يُوسُف فَتَوَلّى عَنْهُم وَقَالَ يَا أسفي على يُوسُف وابيضت عَيناهُ من الْحزن فَهُوَ كظيم وَقد يقْتَرن بالحزن مَا يُثَاب صَاحبه عَلَيْهِ ويحمد عَلَيْهِ وَيكون مَحْمُودًا من تِلْكَ الْجِهَة لَا من جِهَة الْحزن كالحزين على مُصِيبَة فِي دينه وعَلى مصائب الْمُسلمين عُمُوما فَهَذَا يُثَاب على مَا فِي قلبه من حب الْخَيْر وبغض الشَّرّ وتوابع ذَلِك وَلَكِن الْحزن على ذَلِك إِذا أفْضى إِلَى ترك مَأْمُور من الصَّبْر وَالْجهَاد وجلب مَنْفَعَة وَدفع مضرَّة
1 / 42