وما نعرف في هذا المعنى بعينه غير ما ذكرنا، وبيتًا آخر في أبيات نحن نثبتها في حبر حدثناه جحظة البرمكي قال: كان أوكد الأسباب في قتل عمي جعفر بن يحيى البرمكي وزوال النعمة عن أهله أبياتًا عملها بعض الشعراء لما بنى جعفر داره "بباب الشماسية" وألقاها في القصص، فوقعت في يد الرشيد وقد جلس للمظالم، فلما قرأها تغير وجهه، وأعاد النظر فيها مرات، ثم ختمها، ودفعها إلى بعض خدمه وأمره بحفظها، فكان يدعو بها في كل يوم، وينظر فيها ويعيد ختمها، ويدفعها إلى الخادم إلى أن أوقع بالبرامكة، ثم أظهر ما فيها، وكانت:
قل لأمين الله في خلقه ... ومن إليه الحل والعقد
هذا ابن يحيى جعفر قد غدا ... مثلك ما بينكما حد
أمرك مردود إلى أمره ... وأمره ليس له رد
ونحن نخشى أنه وارث ... ملكك إن غيبك اللحد
وقد بنى الدار التي مالها ... شبه على الأرض ولا ند
ما بنت الفرس نظيرًا لها ... كلا ولا الروم ولا الهند
وجدك المنصور لوحلها ... لما اطباه قصره "الخلد"
الدر والياقوت حصباؤها ... وتربها العنبر والند
ساواك في الملك فأبوابه ... آهلة يعمرها الوفد
وما يباهي العبد أربابه ... إلا إذا ما بطر العبد
البيت الأخير من هذه الأبيات معكوس قول الحريري:
ملك ما يصلح للمو ... لى على العبد حرام
وحدثنا أبو الفرج قدامة بن جعفر قال: أهدى الأخيطل الأهوازي إلى ابن حجر في يوم نوروز وردة، ويهمًا، ودينارًا، ودرهمًا، وهذه الأبيات:
قل لابن حجر ذي السماح الخضرم ... لا زلت كالورد نضير الميسم
ونافذًا مثل نفاذ الأسهم ... في عز دينار، ونجح درهم
وحدثنا جحظة قال: حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال: كان أبي قد ربى جارية من أكمل الجواري جمالًا وظرفًا وأدبًا وصنعة، واتصل خبرها بالأمين، فتطلعت نفسه إليها، وخشي أن يكوم إبراهيم قد دنا منها، وعلم أبي بذلك فأنفذها إليه في عقب كلام جرى له معه، وعليها قميص وشى، مكتوب على ذيله بذهب:
لا والذي تسجد الجباه له ... ما لي بما تحت ثوبها خبر
ولا بفيها ولا همت به ... ما كان إلا الحديث والنظر
فردها ولم يقبلها، فردها إليه ومعها عود من عود هندي، قلما نظرت إلى الأمين غنت:
هتكت الضمير برد اللطف ... وكشفت هجرك لي فانكشف
فإن كنت تحقد شيئًا مضى ... فهب للخلافة ما قد سلف
فقبلها منه ورضى عنه.
وحدثنا أبو النضر بن أسباط المصري: أهدى المريمي إلى أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون في يوم عيد مرآة وكتب معها:
ولما أتى عيد عليك مبارك ... تقابل فيه طالع السعد لا النحس
ولم أرض مدحي وحده لك تحفة ... وإن كان وشيًا لا يدنس باللبس
بعثت بأخت البدر والشمس والتي ... رأيت لها فضلًا على البدر والشمس
بأحسن مرآة لأحسن طلعة ... غدت طينة للمجد في صورة الإنس
مكشفة ستر العمى عم ذوى العمى ... ومنطقة في وصفها ألسن الخرس
بحيرة نور موجها متدافعٌ ... وليس لها غير التألق من حس
لها نور إفرند ورونق جوهر ... يكدره أدنى التنفس واللمس
صفت واستوت بالماء والنار واكتست ... من اللين ثوبًا وهي كامنة اليبس
أتتك محلاة تزف كأنها ... عروس توافى بعلها ليلة العرس
ولم أهدها إلا ونفسي تحبها ... ولكن نفسي آثرتك على نفسي
وأهدينا إلى أبي الفوارس سلامة بن فهد منثورًا من بستان في دارنا، وقد تقدم وقته وكتبنا معه:
يا بن فهد وأنت من ترانا ... في المعالي نرى له من ضريب
زعم الزهر أنه كسجايا ... ك شبيه في حال حسن وطيب
فأريناه أنه يكذب الدع ... وى فلم يلتفت إلى التكذيب
فبعثنا به إليك لتلقا ... هـ بتصديق قولنا من قريب
وحدثنا نصر بن أحمد الخبزأرزي البصري قال: أهديت إلى ابن يزداد وهو يتقلد البصرة فصًا حسنًا وكتبت معه:
أهديت ما لو أن أضعافه ... مطرح عندك ما بانا
كمثل "بلقيس" التي لن يبن ... إهداؤها عند "سليمانا"
هذا امتحان لك إن ترضه ... بان لنا أنك ترضانا
1 / 2