ليس للبدوي من الوسائل والوسائط التي يستخدمها الحضري لاظهار سروره وابداء فرحه ... وإنما عند الألعاب كثيرة، والسباق معروف، والنشيد او القصيد في الأحوال الداعية للفرح والسرور مما هو متداول ومشتهر ويتغنى به، ومثله في الاكدار وبيان الأحزان ... وكل ما يعبرون به في اوضاع وحالات خاصة لا يكاد يحصر أو يحد، وكله يشير الى اظهار الشعور والاحساس مهما كان ...
ومن أشهر ما يجريه البدو في أفراحهم، وفي الختان خاصة (الدحّة) المعروفة، ولا تقتصر على الختان وان كانت خاصة به، وانما تراعى في الزواج، وفي ايام الربيع واوقات الراحة ... وهذه رقص بأوضاع خاصة، وأصول مألوفة تقوم بها بنات القبيلة، تتقدم الواحدة تلو الأخرى، وتلعب دورها، فتمسك سيفًا في الغالب، والمتفرجون في الجانبين ... ويقال لهذه اللاعبة (الحاشي)، وتوصف بأوصاف جميلة، فتتقدم، وهناك يجري اللعب بكل سكينة وهدوء ...
يجتمع القوم كحلقة طولانية، وتكون هي في الوسط ... وهناك كصاد (قصاد)، ودحاحة ... وقبل ان تشرع اللاعبة، أو تعرف من هي التي تدخل الدحة ياقل في معرض التشويق والترغيب ما نصه:
يا نعمًا لك بالطيب.
ان جبت الحاشي تكوده.
يجاب من آخرين:
قول وفعل يا ولد!
تستاهل حب النشمية!
يا هلابه يا هلابه! (اهلا به) .
وقد تردد باشكال اخرى مثل:
يا من عين لي (فلان) .
صلاة محمد مثنيه.
يسمع حسك يولد.
تستاهل حب النشمية.
ومثله:
اطلع (يفلان) اطلب راسك الكصاد.
ابشر بالحاشي.
ابشر بالحاشي!
العب والعب!
ابشر بالخير ابشر!
دحيّ، دحيّ!
فاذا جاءت البنت ودخلت الدحه، قابلها الكصاد موجهًا كلامه نحو الدحاحين ونادى قائلًا:
يا حاشينا يا بو بشيت!
على صيتك تعنيت!
فك روحك يا بالحوش!
اكلوا بالحويش اكلوه!
ويخاطبها:
كومي العبي لي والعب لج!
وكلب الجاهل يطرب لج!
العبي لي يا زينه ...
ويقول أحيانًا:
كوم العب لي يا بالحوش!
وحبك بالبراطم نوش!
وهكذا يمضي في أقواله، ومن ثم يحاول الدحاح الواحد، أو الدحاحة الكثيرون أن يختلس الفرصة للتقرب، أو لمس ناحية منها وهم على تباعد، وبيدها السيف تهارفهم، وتبدي انها عازمة على الضرب به فهي في حالة الرقص واتقانه والحذر أن تدع فرصة للدحاحة ... ولكنها قد تتهاون نوعًا مع من تحب، وتغفر له خصوصًا اذا كان خطيبها.! وفي هذه الحالة لا يقدر بوجه أن يقوم أحد بما يخالف الآداب، ولا تتردد هي أن تضرب؛ ويباح لها اثناء اللعب ... واقارب البنت بالمرصاد، والخلاعة لا محل لها، ولا تسمع هناك كلمات بذيئة، او اقوال رديئة..! ويقال للدحه هذه (سامري) أيضًا، ويقصدون فيها قصيدًا يرددونه، والدحاح غير القوال او الكصاد (القصاد) ...
لا نرى في هذه اللعب الا مراعاة الأوضاع المألوفة، ولا نجد خلاعة، او ما هو معروف في دور الرقص ... بل نرى انه لا تدخله ريبة، وانما هناك الحب الحقيقي، ومعرض الجمال واللعب القومي، وغالب ما ينتهي الرقص البدوي غالبًا بزواج، وليس فيه ألاعيب وتوصلات دنيئة مما يفعله بعض السفلة لقضاء شهوة ووطر لمدة قصيرة ... وبنات القبيلة لا يفرق بينهن في اللعب، وليس هناك لاعبات يزاولن هذا الرقص، وهي عامة في كافة البدو، وآل محمد لا تدخل نساؤهم الدحة ...
والملحوظ ان هذا يجري بين افراد اسرة، أو مجاوريها مما بينهم الفة، أو أفراد عشيرة، أو قبيلة واحدة ...
والمرأة في وضعها هذا اذا كانت حاشيًا تتعب كثيرًا، وينالها عناء كبير، فهي في احتراس دائم، وحذر من ان يتمكن احد من لمس شيء منها ...
ولا تفترق في الاحساس عما يسمى ب (الجوبي) الا ان هذا تقوم به واحدة ثم تتلوها أخرى وهكذا. وليس فيه ما هو معروف عند أهل المدن والقرى من وسائل مساعدة كالدفوف والطبول، ولكنه لا يخلو من غناء وتغني بالقصيد بنغمة خاصة وحالة معتادة من التغني ببعض المقطوعات. وتغلب فيه ذكر (دح، دح ...) من الدحاحة وتتكرر مرارًا، ومن ثم سميت بالدحة اظهارًا للوضع وحكاية للصوت الجاري الغالب تكرره فيها..
ولكل قوم وسائل لاظهار الفرح والسرور، وأوقات طرب وانس..!
٢ - العراضة
1 / 96