26

ټوکویل: لنډه مقدمه

توكفيل: مقدمة قصيرة جدا

ژانرونه

إن الفردية الحقيقية ديمقراطية، بينما الشكل الجماعي منها يعدها بتوجيه الأفراد في المجموعات الصغيرة العديدة في النظام القديم للتفكير في أنفسهم فقط. ربما نفترض أن كلا النوعين من الفردية يقعان تحت نطاق «حكم الفرد المطلق»، سواء أكان ملكا أم المفهوم المجرد للدولة المتمثل في الحكومة الكبيرة. يذكرنا هذا المفهوم بمفاهيم مماثلة لمونتسكيو ومكيافيلي، تشير للحاكم المستبد أو الأمير الذي يفرض النظام بالقوة في بلده. بالنسبة إلى توكفيل، الاستبداد أمر خاطئ، نظام مفروض بالقوة على نحو غير مترابط. لكي تكون أي أمة كيانا كليا على النحو الصحيح، يجب أن يكون لدى شعبها الحرية السياسية للتعبير عن أجزائها المختلفة وتشكيلها. إن الحرية السياسية ليست عدوة للوحدة والنظام؛ بل هي على العكس بمنزلة شرطها الضروري؛ فهي تقاوم الحكم لكنها في نفس الوقت تدعي أنها تحكم. إن الوحدة الزائفة المفروضة من قبل كيان موجود في قمة السلطة، وهي السمة الأساسية للحكومة الكبيرة الديمقراطية وكذلك للنظام الملكي المطلق، معرضة لاندلاع ثورات تطيح بها، وهي تستحق ذلك بالفعل. بالنسبة إلى توكفيل، الثورة الفرنسية كانت علامة على التعافي وبلوغ المرض ذروته؛ بحيث تمثل التعافي في محاولة إنشاء كيان كلي وتمثل المرض في الفشل المحتم لتلك المحاولة. لقد كانت بالتأكيد تتعلق بإنشاء سلطة أكثر من إسقاطها، لكن السلطة التي تم إنشاؤها من قبل الثورة لم تكن شرعية؛ لأنها لم تنجح في إنشاء كيان كلي.

المفكرون

يتحدث الجزء الثالث والأخير من كتاب توكفيل «النظام القديم والثورة» عن الحقائق الأكثر خصوصية وحداثة، التي حددت مكان وميلاد وطابع «الثورة العظيمة»، كما أصبح يطلق عليها توكفيل آنئذ. يمكن أن تكون تلك الحقائق السبب المباشر وليس السبب الأساسي، الذي كان يتمثل في السياسة الإدارية للنظام الملكي الفرنسي. إن تلك الحقائق اتضح أنها حقيقة واحدة، وهي المفكرون الذين هيمنوا على السياسة الفرنسية من منتصف القرن الثامن عشر، إلى جانب تأثيرهم على النبلاء ورجال الدين والملك. إن دورهم المهم يثير ثانية مسألة دور الأفكار في السياسة بالنسبة إلى توكفيل، وهي المسألة التي بدت أساسية في كتابه «الديمقراطية في أمريكا»، لكنها تركت دون أن تحسم في الكتاب. إن مسألة «الفعل أم الكتابة» هي أهم مسائل الحياة الشخصية لتوكفيل، والسبيل لحسمها يتمثل في إقرار ما إذا كانت الكتابة شكلا من أشكال الفعل، وما إذا كانت الأفكار المكتوبة من قبل كاتب يمكن أن يكون لها تأثير سياسي أم لا. وقد تناول تلك النقطة في عمله «النظام القديم والثورة».

كانت فرنسا على الدوام أكثر الأمم في أوروبا إنتاجا للمفكرين والأدباء، لكن قبل الثورة كان مفكروها لديهم اهتمام من نوع جديد بالسياسة. صحيح أنهم لم ينخرطوا في السياسة، كما فعل نظراؤهم في إنجلترا؛ فهم لم تكن لديهم سلطة أو وظيفة عامة، لكنهم شغلوا أنفسهم باستمرار بالأمور السياسية؛ فقد كانوا دائما يفكرون على نحو مجرد ويناقشون مسائل مثل: أصل المجتمعات، والحقوق الأصلية للمواطنين في مقابل السلطة، والعلاقات الطبيعية في مقابل العلاقات المصطنعة بين البشر، ومشروعية العادات، ومبادئ القوانين. لقد اعتقد جميعهم أنه سيكون من المناسب استبدال قواعد بسيطة وأساسية مأخوذة من العقل والقانون الطبيعي بالعادات التقليدية المعقدة السائدة في المجتمع في عصرهم. ولا توضح تلك الموضوعات المجردة والنتيجة المبسطة للغاية نقص الخبرة السياسية وحسب، وإنما أيضا ازدراء لها؛ وهو الأمر الذي كان يبغضه توكفيل.

لم يسع توكفيل لتفسير هذا السبب الحديث بالنظر إلى تاريخ الفلسفة السياسية الحديثة؛ حيث يمكن - كما كان يعرف جيدا - أن يجد أن البحث عن البساطة في السياسة كان قد بدأه هوبز ولوك، إلى جانب ديكارت الذي ذكره في كتابه «الديمقراطية في أمريكا». بدلا من ذلك، سأل عن السبب في ظهور تلك الفكرة، التي قال إنها لم تكن جديدة، وإنها ظهرت منذ ثلاثة آلاف عام، على وجه الخصوص في عصره. للإجابة عن هذا، ذكر رأي المفكرين في المجتمع الذي به امتيازات غير عادلة «أدت بطبيعة الحال» إلى الرغبة في إعادة بناء المجتمع، بناء على خطة جديدة بالكامل يتبعها كل فرد فيه مستخدما عقله. اعتقد توكفيل أنه كانت تنقصهم تجربة السياسة الحرة التي قد تكون حذرتهم من قدرة الحقائق الحالية على إعاقة أكثر النظم المرغوبة؛ حيث إن الغياب الكامل لكل أشكال الحرية السياسية كان خافيا عنهم، ولم يكن بإمكانهم معرفة ما كانوا يجهلونه. وبدا توكفيل مهتما بجعل السلطة السياسية مسئولة عن الصعود الفكري لمثل هذه الحماقة، بدلا من إلقاء اللوم على المفكرين لأنهم أصبحوا حمقى بهذا الشكل.

من المفكرون الذين كان توكفيل يتحدث عنهم؟ ذكر توكفيل بالطبع فولتير، مشيرا إلى أنه كان يقدر إنجلترا على حرية التعبير التي كانت سائدة فيها، وليس لتمتع مواطنيها بالحرية السياسية. ولم يذكر روسو هنا، بالرغم من أن روسو كان مشهورا مثل فولتير، وكانت تقتبس كلماته أكثر من فولتير من قبل الثوار أنفسهم، كما أنه كان من الكتاب المفضلين لدى توكفيل. لقد ركز على الدور الأساسي الذي لعبه «الاقتصاديون» أو الفيزوقراطيون، الذين قدموا على نحو غير مسئول علاجات سياسية ساذجة، مبدين شغفا بالمساواة ورغبة غير متحمسة للحرية. كان أبرزهم تيرجو، الذي لم يقدم مثل تلك العلاجات، لكنه كان رجلا لديه «روح عظيمة» و«سمات عبقرية نادرة» ميزته عن كل الآخرين، غير أنه كان هو الذي بحماقة نصح لويس السادس عشر في عام 1775، بأنه يمكن بأمان أن يعطي الأمة لمحة من الحرية في شكل مجلس منتخب دون أن يعطي لهذا المجلس أي سلطات. لقد روج الاقتصاديون لحدوث «استبداد ديمقراطي» وألهموا الاشتراكية التي عرفها توكفيل في عصره، وبجعل الحرية وسيلة لتحقيق غرض آخر مثل المساواة أو الثروة، ساعدوا الفرنسيين على فقدان رغبتهم فيها. قال توكفيل في الفصل المخصص للاقتصاديين إن «تلك الرغبة السامية» هي الميزة التي تتميز بها «القلوب العظيمة» بخلاف «الأرواح العادية» التي لم تحس بها قط.

لقد سبق هؤلاء الاقتصاديين اقتصاديون آخرون في القرن السابع عشر، وهوبز هو أبرزهم على الإطلاق، لكن توكفيل تعامل معهم على أنهم اقتصاديون جدد؛ ربما تكون أفكارهم غير جديدة، ولكنها أصبحت مناسبة لعصره. ذكر توكفيل أن المفكرين أصبحوا مؤثرين جدا، لدرجة أنهم شكلوا نظرة الفرنسيين للحياة، معطين إياهم «تعليما فريدا». لقد أصبحت الأمة الفرنسية مغتربة جدا عن شئونها، ومحرومة بشدة من التجربة السياسية بحيث استسلمت بسهولة لتأثير هؤلاء. وحتى النبلاء أفسحوا المجال للكتاب الذين أصبحوا القوة السياسية الأساسية، آخذين المكان الذي عادة ما يشغله رؤساء الأحزاب في الدول الحرة. وعندما ظهر الثوار على الساحة، رددوا صدى نفس النظريات المجردة التي علق عليها توكفيل قائلا إن «ما يعد فضيلة في الكاتب يكون عادة رذيلة في رجل السياسة.»

تنطبق تلك الملحوظة على نحو خاص على الهجوم الذي شنه هؤلاء المفكرون على الكنيسة، وهو أبرز سمة للتعليم الذي كانوا يقدمونه. لقد كانت الكنيسة تمثل التقليد والسلطة والتسلسل الهرمي؛ كل شيء كان يعارضه المفكرون في السياسة. فهم لم يروا الكنيسة على أنها حليف محتمل للحرية ، كما فعل توكفيل، وإنما باعتبارها العقبة الأساسية أمام الثورة والإصلاح السياسيين، لكن الكنيسة كانت بحلول القرن الثامن عشر قد فقدت كثيرا من قوتها؛ فلم تكن تقمع الكتاب وإنما كانت تضيق عليهم فقط من خلال الرقابة التي لم تكن فعالة، ومن خلال الاضطهادات البسيطة التي كانت تخيفهم فقط ولا تسكتهم. في واقع الأمر، في ذلك الوقت كان المؤمنون، بحسب قول توكفيل، هم من يتم إسكاتهم؛ فالمفكرون كانوا يريدون صحافة حرة من أجلهم هم فقط، حتى يعرضوا من خلالها أفكارهم الإصلاحية المبسطة للغاية، وليس من أجل توفير الحرية للجميع؛ الحرية السياسية التي قد تعيق أو تؤدي إلى معارضة خططهم. لقد كان هؤلاء ثوريين فقط في فكرهم ولم يؤمن أحدهم بالعنف، ولم يكن لديهم مؤشر على أنه قد يحدث في المستقبل، ولم يكن يجول بخاطرهم أنهم قد يكونون مسئولين عنه. لكن توكفيل اعتبرهم مسئولين عن الطابع الذي تميزت به الثورة التي حدثت، ليس باعتبارهم أشخاصا أصحاب فكر، ولكن باعتبارهم سياسيين غير بارعين وجدوا أنفسهم في فراغ سياسي وكان سمتهم الاندفاع غير عابئين، في الوقت الذي كان يتعين عليهم القلق وتوخي الحذر.

عند الحديث عن المفكرين ونظرياتهم المجردة، اتفق توكفيل مع إدموند بيرك في الهجوم عليهم، لكن موقفه تجاه الفلسفة كان مختلفا على نحو كبير، وغامضا في نفس الوقت، مقارنة بموقف بيرك تجاهها؛ ففي حين أن بيرك هاجم الفلسفة في حد ذاتها في ذلك الوقت حتى يعارض هؤلاء الذين كانوا يسمون أنفسهم مفكرين، ويستبدل بها بعد ذلك إيمانا مجددا بالحكمة العملية، لزم توكفيل الصمت تجاه الفلسفة والأفكار الفلسفية في حد ذاتها، وكان من آن لآخر يهاجمها نظرا لعدم جدواها العملية، مع تقديم إضافة جيدة للحكمة العملية. كانت هذه الإضافة تتمثل في «العلم العظيم الخاص بالحكم»، الذي يعلمنا كيف نفهم الحركات العامة التي تحدث في المجتمع، ونحكم على عقل الحشود ونتنبأ بما قد يحدث. وقد قال إن أي أمريكي يمكن أن يقابله في الشارع سيعرف أن الدين مهم لأي مجتمع حر؛ لأن هؤلاء الأقل معرفة ب «علم الحكم» يعرفون هذا جيدا، غير أنه لم يشرح مطلقا تلك الإشارات المدهشة لعلم السياسة، تماما كما فعل في كتابه «الديمقراطية في أمريكا»، عندما لم يسهب في الحديث عن «علم سياسة جديد ... لعالم مختلف تماما»، بدا أنه سيبشر به في البداية. إن الإسهاب في عرض علم السياسة الجديد سيقلل من قدر ممارسة السياسة أو يسرق المشهد منها، وقد يتعدى على حرية القارئ في التفكير بنفسه في الأمر. إن «الممارسة الخاصة بالمؤسسات الحرة» هي التي تعلم بحق السياسيين فن السياسة. إن علم السياسية الخاص بتوكفيل أبى بتواضع أن يكشف عن نفسه أو يبرزها بأي حال من الأحوال باعتبارها معلما للسياسة.

في الجزء الثالث من كتاب «النظام القديم والثورة»، أعطى توكفيل لمحة عن علم السياسة الخاص به، حينما عرض فرضيته الشهيرة التي تقول إن «أخطر لحظة بالنسبة إلى أي حكومة سيئة، تأتي عادة عندما تبدأ في إصلاح نفسها.» فأي شعب سيتحمل الظلم دون اعتراض عندما يبدو أنه لا مهرب منه، لكن عندما يرى فرصة للتحرر، سيصبح عديم الصبر ويتحول للعنف. فقط في عام 1780، عندما كان هناك إصلاح يلوح في الأفق، ظهرت للنور «نظرية قابلية الإنسان المستمرة وغير المحدودة لبلوغ الكمال.» جعلت تلك النظرية الشعب غير مبال بالمتع الحالية، ودفعته باتجاه «أشياء جديدة». تبرز هنا نفس النظرية اللاعقلانية الخاصة بالتقدم التي تم تناولها في كتاب «الديمقراطية في أمريكا»، والتي اعتبرت الآن سببا للثورة في فرنسا. أثنى توكفيل على الثوار لإيمانهم «المدهش» بقوة الإنسان وقابليته لبلوغ الكمال؛ فهم لديهم شغف بعظمة الإنسانية وإيمان بفضيلتها. لكن على الرغم من أن قلوبهم كانت مخلصة، فإن عقولهم كانت مرتبكة بسبب إسقاط القوانين الإلهية والانقلاب على القوانين المدنية. إن التقدم باتجاه القابلية لبلوغ الكمال يمكن أن يكون ملهما، لكنه لا ينتهي أبدا؛ فالبشر بحاجة إلى علم سياسة ينظر للمجتمع باعتباره كيانا كليا يكون للإنسان فيه مكان إذا أرادوا أن يستمتعوا بالحرية.

ناپیژندل شوی مخ