استولى عليه الخمول وشعر برغبة قوية في النوم. وفي شبه إغفاءة تابع زوجته وابنه وهما يرفعان بقايا الطعام ويهرعان إلى فراشيهما فيرقدان جاعلين رأسيهما عند قدميه. وأصبح الثلاثة مثلثا بست عيون تتطلع في اتجاه واحد هو باب البلكونة.
وفي الماضي كانت غفوة ما بعد الغداء تستمر طويلا يقوم بعدها نشطا منتعشا، لكنها في السنوات الأخيرة أصبحت قصيرة للغاية؛ فما يلبث أن يفيق ويظل ممددا يتطلع إلى السقف دون أن يتبين تفاصيله. بينما تتراجع الشمس في الخارج في طريقها للاختفاء النهائي ويتناقص الضوء تدريجيا بالغرفة. ويهب برأسه بين الحين والآخر ويدقق النظر من خلف عويناته السميكة إلى الفراشين الآخرين. وغالبا ما تكون الأم قد أفاقت هي الأخرى. والذي يحدث أن يبدأ أحدهما الحديث عبر الفراشين في الوقت الذي يكون الآخر قد استيقظ لتوه بالفعل.
ويبدأ هذا الحديث عادة بأن يذكر أحدهما - وهو الأب في الغالب - أن فلانا من الأقارب لم يزرهم منذ مدة. وهو يذكر هذه الحقيقة بصوت تقريري لا يوحي بأي شيء في الظاهر؛ عندئذ يقوم الآخر - الأم عادة - بعملية حسابية سريعة لآخر مرة زارهم فيها هذا القريب.
وعندئذ يقول الأب متظاهرا بعدم المبالاة: «لعله مشغول في شيء أو مريض، أو أحدا من عائلته .. من يعلم؟»
فترد الأم على الفور بأن هذا القريب شوهد عند فلان في الأسبوع الماضي؛ فدون أن تغادر المنزل كانت على بينة - بواسطة التليفون - بكل ما يحدث في عالمها الصغير.
وتكون هذه الإجابة التي ينتظرها، فيتنهد. وهنا يتفرع الحديث في أحد اتجاهين؛ إما عرض كافة المعلومات المتوفرة عن الحياة الشخصية لهذا القريب، أو تعداد الأقارب والمعارف الآخرين الذين لم يقوموا هم أيضا بواجب الزيارة منذ مدة.
لكن الحديث اتخذ اليوم مسارا آخر بسبب ما أعلنته فادية في التليفون أمس من أن زوجها حصل على عقد للعمل في الكويت، وأنهما سيسافران في أقرب وقت تسمح به صحة الطفل.
فقال الأب في صوته التقريري المحايد: «سأموت دون أن أرى الولد.»
وردت عليه زوجته على الفور: «بعد الشر. لا تقل هذا.»
ثم: «ربنا ينتقم من الذي كان السبب.» دون أن تدرك أنها بذلك لا تعرض غير نفسها للانتقام الإلهي.
ناپیژندل شوی مخ