205

وقال رتشارد: «كلا، إنهن يا أخي لا يخشين لقاء أقرب من هذا. هلا ركبت صوب محفاتهن، وسترفع الستر بعد زمن وجيز ؟»

فقال صلاح الدين : «حرام علي هذا! وليس للعربي أن ينظر إلى النساء، وعار على السيدات النبيلات أن يبدين وجوههن بغير قناع.»

فأجاب رتشارد: «إذن لتراهن في خلوة يا أخي المليك.»

فأجابه صلاح الدين محزونا وقال: «لم أراهن؟ لقد كانت رسالتك الأخيرة لآمالي التي أشدت كالماء للنار، فما لي بعد هذا أشعل لهيبا قد يحرق قلبي ولا يدخل السرور على نفسي؟ ولكن هلا سار أخي إلى الفسطاط الذي أعده له خادمه؟ إن عبدي الأسود الخاص قد تلقى الأمر للقاء الأميرات، وسوف يستقبل الضباط من حاشيتي تابعيك، وسأقف بنفسي على خدمة رتشارد المليك.»

وعلى إثر هذا شق طريقه إلى سرادق فخم أعد به كل طريف من ترف الملوك، وكان دي فو حاضرا فأزال عباءة الركوب الطويلة التي كان يلبسها رتشارد، ووقف الملك أمام صلاح الدين في لباسه الضيق الذي أبان عن متانة قوته وجمال اتساق جسمه، وهو يباين كل التباين الثياب الفضفاضة التي كانت تستر جسم الملك الشرقي النحيل. وكان أشد ما استرعى انتباه الملك العربي سيف رتشارد الطويل ذو المقبضين، وظباته العريضة المستقيمة الي يمتد طولها الفارط من كتف حامله إلى عقبه.

فقال السلطان: «والله لولا أني رأيت هذا المهند يتألق في طليعة المعركة كسيف عزرائيل لما كدت أصدق أن ذراعا بشرية تستطيع أن تهز به، وهل لي أن ألتمس رؤية الملك رتشارد وهو يضرب ضربة واحدة سلمية لمحض امتحان قوته؟»

فأجابه رتشارد: «لك هذا مني راغبا أيها السلطان النبيل.» وتلفت حواليه يبحث عن شيء يختبر به قوته، فوقعت عينه على صولجان من الصلب يمسك به أحد الواقفين، له مقبض كذلك من الصلب، قطره نحو بوصة ونصف البوصة، فأخذه ووضعه على كتلة من الخشب.

وأدى بدي فو جزعه على شرف سيده أن يهمس بالإنجليزية قائلا: «وحق العذراء البتول، حذار مولاي مما أنت مقدم عليه! إنك لم تسترد بعد كامل قواك. لا تشمت فيك هذا الكافر.»

فقال رتشارد وقد ثبت في مكانه ورنا حواليه بنظرة حادة: «أنصت أيها الغافل، أفتظن أني أحبط في حضرته؟»

وأمسك مهنده العريض البراق بكلتا يديه، ورفعه عاليا إلى كتفه اليسرى، وأداره حول رأسه، وهوى بقوة كأنه قوة آلة مروعة، فتدحرج القضيب الصلب فوق الأديم وقد قصمه نصفين كما يبتر الحاطب الشجيرة بفأسه.

ناپیژندل شوی مخ