ومن الأحداث الهامة بالقصة ذلك الحدث الذي استمددنا منه العنوان، ولربما كان الفرس من بين جميع الأمم التي عاشت أكثرها شهرة بعقيدتهم التي لا تتزعزع في التمائم والرقى وما إليها من التعاويذ، التي كانت تؤلف، كما قيل، تحت تأثير كواكب خاصة، وكانت لها قدرة طبية فائقة، كما كانت الوسيلة التي تسيطر على جدود الرجال؛ وكثيرا ما ترددت في غرب اسكتلندا أقصوصة من هذا الضرب، تتعلق بمحارب صليبي من المحاربين المبرزين، وما يزال الطلسم الذي يشار إليه موجودا، بل وما يزال له احترام وتقديس.
وكان السير «سيمن لكهارت» صاحب «لي» و«كلارتلاند»، شخصية لها وزنها أيام حكم «روبرت بروس» وابنه «داود»، وكان أحد زعماء تلك العصابة الاسكتلندية من الفرسان التي صحبت «جيمس» أو اللورد «دوجلاس» الطيب، في حملته على الأرض المقدسة مؤيدا من الملك «روبرت بروس»، وكان «دوجلاس» يتعجل الفتك بالعرب، فاشتبك في حرب مع أهل إسبانيا ولاقى حتفه هناك، أما «لكهارت» فقد استأنف مسيره إلى الأرض المقدسة مع من نجا من الفرسان الاسكتلنديين مما أصاب قائدهم، واشترك مدة من الزمن في الحروب المشتعلة ضد العرب.
وتواتر الخبر على أنه اشتبك في المغامرة التالية: أسر يوما في الحرب أميرا ذا ثروة طائلة ونفوذ كبير، فأتت إلى معسكر المسيحيين أم الأسير العجوز كي تخلص ابنها من أسره، وحدد «لكهارت»، كما قيل، قدرا ما لفداء السجين، فأخرجت السيدة كيسا كبيرا مطرزا وشرعت تعد نقد الفدية، كأم لا تقيم للذهب إلى حرية ابنها وزنا. وإذ هي كذلك، سقط من الكيس حجر موثوق بقطعة من النقد، يقال إنه من العالم السفلي، فأظهرت الأم العربية عجلة شديدة في التقاطه، مما جعل الفارس الاسكتلندي يعتقد في نفاسته وعلو قيمته، إذا قيس بالذهب أو بالفضة، فقال: «إني لن أرضى بإطلاق سراح ابنك إلا إن ضممت إلى فديته هذا الحرز.» فقبلت السيدة، بل وشرحت للسير «سيمن لكهارت» فضائل التميمة وطريقة استخدامها، وقالت إنها إذا غمست في ماء استحال الماء دواء يوقف نزيف الدم، ويخفف الحمى، وأصبحت له خصائص أخرى كثيرة كتميمة طبية.
وبعدما اختبر السير «سيمن لكهارت» العجائب الكثيرة التي تفعلها هذه التميمة، أتى بها إلى بلده، وتركها لورثته، فميزوها، هم وأبناء «كليدزديل» عامة، وما يزالون يميزونها باسم «لي بني» نسبة إلى وطنه «لي».
وربما كان أعجب فصل في تاريخها أنها نجت خاصة من النقمة، حينما أرادت الكنيسة في اسكتلندا أن تصب سخطها على كثير غيرها من أسباب العلاج، التي كانت لها صفة الإعجاز وفعل السحر، وأنكرت الكنيسة على الناس الالتجاء إليها جميعا «ما خلا التميمة المعروفة باسم «لي بني»؛ فقد أراد الله أن يخصها ببعض فضائل الشفاء التي لا تزعم تحريمها الكنيسة»، وهي، كما قيل، ما تزال موجودة، ويلوذ بسلطانها الناس أحيانا؛ وأخيرا انحصر فعلها خاصة في علاج من يعضه كلب مسعور. ولما كان المرض في مثل هذه الأحوال كثيرا ما ينشأ عن الوهم، فليس ثمت ما يدعو إلى الشك في أن الماء بعد أن يصب على «لي بني»، تصير له قوة العلاج الناجع.
هذا ما تواترت به الأخبار عن التميمة (أو الطلسم)، وقد استباح المؤلف لنفسه الحرية في تحويره، وهو يستخدمه في أغراضه الخاصة.
واستبحنا لأنفسنا كذلك كثيرا من الحرية في حقائق التاريخ فيما يخص حياة «كنراد منتسرا» ومماته؛ أما أن «كنراد» كان عدوا لرتشارد فهو ما يتفق عليه التاريخ وقصص الخيال. وتستطيع أن تقدر العقيدة التي سادت بين الناس بشأن ما كان بينهما من صلة، من الاقتراح الذي تقوم به العرب، وذلك أن يولى «مركيز منتسرا» على أنحاء معينة من سوريا تنازلوا عنها للمسيحيين، ولكن رتشارد، كما جاء في القصة الخيالية التي تحمل اسمه «لم يستطع بعد هذا أن يكتم غضبه، فقال إن المركيز خائن اغتصب من فرسان «الاسبتارية» ستين ألف دينار، وهي عطية من أبيه هنري، وقال إنه مرتد، نجم عن غدره ضياع «عكا»، وختم حديثه بيمين غليظة أقسمها ليمزقنه إربا إربا بالخيول الآبدة، لو أنه اجترأ يوما على تدنيس معسكر المسيحيين بمثوله هناك. وحاول «فيليب» أن يتوسط لجانب «المركيز» فرمى بقفازه وقدم نفسه رهينة لإخلاصه للمسيحيين، ولكن هذا العرض لم ينل قبولا، واضطر «فيليب» إلى أن يخلي السبيل لرتشارد وسورته» (من «تاريخ الفروسية»).
و«كنراد منتسرا» شخصية هامة في هذه الحروب، وقد ألحق به الموت في آخر الأمر، واحد من أتباع «الشيخ»، رجل الجبل العجوز، ولكن رتشارد لم يخل من ريبة الناس في الإيعاز إليه بالقتل.
ويمكننا على الجملة أن نقول إن أكثر الحوادث المساقة في القصة التالية هي من خلق الخيال، وأن الحقيقة، حيثما توجد؛ لا أثر لها إلا في أشخاص الرواية.
أول يوليو سنة 1832م
ناپیژندل شوی مخ