تفسير التبيان ج1
ما قلناه من التوكيد، كما يقول القائل: كلمته بلساني، ونظرت اليه بعيني، ويقال بين زيد وبين عمرو، وانما البين واحد. والمراد بين زيد وعمرو وقال الشاعر أوس بن الحجر:
ألم تكسف الشمس شمس النها
ر مع النجم والقمر الواجب(1)
والشمس لا تكون إلا بالنهار، فأكد ذكرنا هذه الجملة تنبيها عن الجواب عما لم نذكره، ولعلنا نستوفيه فيما بعد اذا جرى ما يقتضي ذكره ولولا عناد الملحدين، وتعجرفهم، لما احتيج إلى الاحتجاج بالشعر وغيره للشئ المشتبه في القرآن، لان غاية ذلك أن يستشهد عليه ببيت شعر جاهلي، او لفظ منقول عن بعض الاعراب، أو مثل سائر عن بعض أهل البادية.
ولا تكون منزلة النبي صلى الله عليه وآله - وحاشاه من ذلك - أقل من منزلة واحد من هؤلاء.
ولاينقص عن رتبة النابغة الجعدي، وزهير بن الكعب وغيرهم ومن طرائف الامور ان المخالف اذا اورد عليه شعر من ذكرناه، ومن هو دونهم سكنت نفسه، واطمأن قلبه وهو لايرضى بقول محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ومهما شك الناس في نبوته، فلا مربة في نسبه، وفصاحته، فانه نشأ بين قومه الذين هم الغاية القصوى في الفصاحة، ويرجع اليهم في معرفة اللغة. ولو كان المشركون من قريش وغيرهم وجدوا متعلقا عليه في اللحن والغلط والمناقضة، لتعلقوا به، وجعلوه حجة وذريعة إلى اطفاء نوره وابطال امره، واستغنوا بذلك عن تكلف ما تكلفوه من المشاق في بذل النفوس والاموال.
ولو فعلوا ذلك لظهر واشتهر، ولكن حب الالحاد والاستثقال لتحمل العبادات، والميل إلى الفواحش اعماهم وأصمهم، فلا يدفع أحد من الملحدين - وان جحدوا نبوته صلى الله عليه وآله - انه اتى بهذا القرآن، وجعله حجة لنفسه، وقرأه على العرب وقد علمنا انه ليس بأدون الجماعة في الفصاحة وكيف يجوزان يحتج بشعر الشعراء عليه، ولا يجوز أن يحتج بقوله عليهم وهل هذا إلا عناد محض، وعصبية صرف؟ وانما يحتج علماء
---
(1) الواجب: الغائب.
مخ ۱۶