170

طب نبوي

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

خپرندوی

دار الهلال

د ایډیشن شمېره

-

د خپرونکي ځای

بيروت

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَسْلَمُ عَاقِبَةً وَآمَنُ غَائِلَةً مِنْ تَنَاوُلِ جَمِيعِ مَا يُرْوِي دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ يخاف منه أن يطفىء الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ بِشِدَّةِ بَرْدِهِ، وَكَثْرَةِ كَمِّيَّتِهِ، أَوْ يُضْعِفُهَا فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى فَسَادِ مِزَاجِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ، وَإِلَى أَمْرَاضٍ رَدِيئَةٍ، خُصُوصًا فِي سُكَّانِ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ، كَالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ فِي الْأَزْمِنَةِ الْحَارَّةِ كَشِدَّةِ الصَّيْفِ، فَإِنَّ الشُّرْبَ وَهْلَةً وَاحِدَةً مَخُوفٌ عَلَيْهِمْ جِدًّا، فَإِنَّ الْحَارَّ الْغَرِيزِيَّ ضَعِيفٌ فِي بَوَاطِنِ أَهْلِهَا، وَفِي تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ الحارة. وقوله: «وأمرأ»: هو أفعل من مرىء الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ فِي بَدَنِهِ: إِذَا دَخَلَهُ، وَخَالَطَهُ بِسُهُولَةٍ وَلَذَّةٍ وَنَفْعٍ. وَمِنْهُ: فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا «١» هَنِيئًا فِي عَاقِبَتِهِ، مَرِيئًا فِي مَذَاقِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَسْرَعُ انْحِدَارًا عَنِ الْمَرِيءِ لِسُهُولَتِهِ وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْهُلُ عَلَى الْمَرِيءِ انْحِدَارُهُ. وَمِنْ آفَاتِ الشُّرْبِ نَهْلَةً واحدة أنه يخاف منه الشرق بأن يسدّ مَجْرَى الشَّرَابِ لِكَثْرَةِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ، فَيَغَصُّ بِهِ، فَإِذَا تَنَفَّسَ رُوَيْدًا، ثُمَّ شَرِبَ، أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْ فَوَائِدِهِ: أَنَّ الشَّارِبَ إِذَا شَرِبَ أَوَّلَ مَرَّةٍ تَصَاعَدَ الْبُخَارُ الدُّخَانِيُّ الْحَارُّ الَّذِي كَانَ عَلَى الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ لِوُرُودِ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَتْهُ الطَّبِيعَةُ عَنْهَا، فَإِذَا شَرِبَ مَرَّةً وَاحِدَةً، اتَّفَقَ نُزُولُ الْمَاءِ الْبَارِدِ، وَصُعُودُ الْبُخَارِ، فَيَتَدَافَعَانِ وَيَتَعَالَجَانِ، وَمِنْ ذَلِكَ يَحْدُثُ الشَّرَقُ وَالْغُصَّةُ، وَلَا يَتَهَنَّأُ الشَّارِبُ بِالْمَاءِ، وَلَا يُمْرِئْهُ، وَلَا يَتِمُّ رِيُّهُ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، والبيهقي، وَغَيْرُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ الْمَاءَ مَصًّا، وَلَا يَعُبَّ عَبًّا، فَإِنَّهُ مِنَ الْكُبَادِ» «٢» . وَالْكُبَادُ- بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ- هُوَ وَجَعُ الْكَبِدِ، وَقَدْ عُلِمَ بِالتَّجْرِبَةِ أَنَّ وُرُودَ الْمَاءِ جُمْلَةً وَاحِدَةً عَلَى الْكَبِدِ يُؤْلِمُهَا وَيُضْعِفُ حَرَارَتَهَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ الْمُضَادَّةُ الَّتِي بَيْنَ حَرَارَتِهَا، وَبَيْنَ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا مِنْ كَيْفِيَّةِ الْمَبْرُودِ وَكَمِّيَّتِهِ. وَلَوْ وَرَدَ بِالتَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا، لَمْ يُضَادَّ حَرَارَتَهَا، وَلَمْ يُضْعِفْهَا، وَهَذَا مِثَالُهُ صَبُّ الْمَاءِ البارد على القدر،

(١) النساء- ٤. (٢) أخرجه الطبراني في الصغير وابن السي وأبو نعيم في الطب، والبيهقي في شعب الإيمان.

1 / 172