طب نبوي
الطب النبوي لابن القيم - الفكر
خپرندوی
دار الهلال
د ایډیشن شمېره
-
د خپرونکي ځای
بيروت
بِالْمَاءِ، فَمَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَيَوَانِ بِهِ نَوْعُ غِذَاءٍ، وَأَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْ غِذَائِهِ التام.
قالوا: ونحن لا تنكر أَنَّ قُوَّةَ الْغِذَاءِ وَمُعْظَمَهُ فِي الطَّعَامِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَاءِ تَغْذِيَةٌ الْبَتَّةَ. قَالُوا: وَأَيْضًا الطَّعَامُ إِنَّمَا يُغَذِّي بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَائِيَّةِ. وَلَوْلَاهَا لَمَا حَصَلَتْ بِهِ التَّغْذِيَةُ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الْمَاءَ مَادَّةُ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى مَادَّةِ الشَّيْءِ، حَصَلَتْ بِهِ التَّغْذِيَةُ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ مَادَّتَهُ الْأَصْلِيَّةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ «١» فكيف تنكر حُصُولَ التَّغْذِيَةِ بِمَا هُوَ مَادَّةُ الْحَيَاةِ عَلَى الإطلاق؟.
قالوا: وقد رأينا إِذَا حَصَلَ لَهُ الرِّيُّ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، تَرَاجَعَتْ إِلَيْهِ قُوَاهُ وَنَشَاطُهُ وَحَرَكَتُهُ، وَصَبَرَ عَنِ الطَّعَامِ، وَانْتَفَعَ بِالْقَدْرِ الْيَسِيرِ مِنْهُ، وَرَأَيْنَا الْعَطْشَانَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْقَدْرِ الْكَثِيرِ مِنَ الطَّعَامِ، وَلَا يَجِدُ بِهِ الْقُوَّةَ وَالِاغْتِذَاءَ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ الْمَاءَ يُنْفِذُ الْغِذَاءَ إِلَى أَجْزَاءِ الْبَدَنِ، وَإِلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يَتِمُّ أَمْرُ الْغِذَاءِ إِلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا نُنْكِرُ عَلَى مَنْ سَلَبَ قُوَّةَ التَّغْذِيَةِ عَنْهُ الْبَتَّةَ، وَيَكَادُ قَوْلُهُ عِنْدَنَا يَدْخُلُ فِي إِنْكَارِ الْأُمُورِ الْوِجْدَانِيَّةِ.
وَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى حُصُولَ التَّغْذِيَةِ بِهِ، وَاحْتَجَّتْ بِأُمُورٍ يَرْجِعُ حَاصِلُهَا إِلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الطَّعَامِ، وَأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي نُمُوِّ الْأَعْضَاءِ، وَلَا يُخَلِّفُ عَلَيْهَا بَدَلَ مَا حَلَّلَتْهُ الْحَرَارَةُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْكِرُهُ أَصْحَابُ التَّغْذِيَةِ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ تَغْذِيَتَهُ بِحَسَبِ جَوْهَرِهِ، وَلَطَافَتِهِ وَرِقَّتِهِ، وَتَغْذِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ، وَقَدْ شُوهِدَ الْهَوَاءُ الرَّطْبُ الْبَارِدُ اللَّيِّنُ اللَّذِيذُ يُغَذِّي بِحَسْبِهِ، وَالرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ تُغَذِّي نَوْعًا مِنَ الْغِذَاءِ، فتغذية الْمَاءِ أَظْهَرُ وَأَظْهَرُ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَارِدًا، وَخَالَطَهُ مَا يُحَلِّيهِ كَالْعَسَلِ أَوِ الزَّبِيبِ، أَوِ التَّمْرِ أَوِ السُّكَّرِ، كَانَ مِنْ أَنْفَعِ مَا يَدْخُلُ الْبَدَنَ، وَحَفِظَ عَلَيْهِ صِحَّتَهُ، فَلِهَذَا كان أحبّ
(١) الأنبياء- ٣٠.
1 / 168