وهذه الأحاديث المذكورة بعضها يدل على الإذن وبعضها يدل على المنع، والجمع بينهما أن النهي إنما كان من أجل أنهم يعظمون أمر الكي ويرون أنه يحسم الدواء، وأنه إن لم يكووا العضو بطل، فنهاهم إذ كان على هذا الوجه، وأباحه إذا كان سببا للشفاء لا علة، فإن الله تعالى هو الذي يشفي ويبرئ، لا بالكي ولا الدواء.
وهذا أمر يكثر فيه شكوك الناس، يقولون: لو شرب الدواء لم يمت، ولو أقام ببلده لم يقتل. ويحتمل أن يكون نهيه عن الكي إذا عمل على طريق الاحتراز من حدوث المرض قبل الحاجة إليه وذلك مكروه، وإنما أبيح عند الحاجة ويحتمل أن يكون نهى عنه من قبل التوكل، ويحتمل أن يكون فعله وأذن فيه حيث لم يقم غيره مقامه، لأن الجراحة إذا وقعت بشريان لا ينقطع الدم غالبا إلا بالكي، لأن حركة الشريان مانعة من التحامه، فإذا كوي أحدث الكي على فوهة الجرح خشكريشة لمكان خفاف الدم الخارج على فوهة العرق ويلتصق بفمه فينقطع الدم، وإذا انقطع ألحمته القوة بإذن ربها، وإذا حصل بمثل هذه الضرورة فلا بأس به.
وقال الخطابي: وإنما كوى سعدا خوفا أن ينزف دمه فيهلك، ومن هذا القبيل كي من قطعت يده أو رجله، فحينئذ قد يجب.
وروى نافع عن ابن عمر: أنه اكتوى في وجهه من اللقوة.
قلت: واللقوة إنما تحصل عن مادة غليظة، وهي من الأمراض المزمنة، ولا تكاد تلك المادة تنحل إلا بالدواء، فالكي حينئذ من أنفع علاجاتها.
وأما علاج الضربة والوثي، فيكون بإخراج الدم، ويترك اللحم والثلج.
وعن جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في وركه من وثء كان به) رواه د.
والوثي: الوهن من غير كسر ولا فك.
مخ ۲۵۸