وكما شعر كل عصر - وربما كل قارئ! - بأن «الطباع» يخاطبه من زاوية معينة، فكذلك وضع فيه كل عصر أو قرأ فيه مشاعره وأفكاره وهمومه.
بدأت رحلة التأثر من أيام ثيوفراسط نفسه التي ازدهرت فيها الكوميديا الجديدة على يد تلميذه النابغة «ميناندر» الذي استفاد أكبر الفائدة من فكرة «ثبات» الطبع واستحالة تغييره، وقد تأكد هذا بعد العثور على مسرحيته «الديسكولوس» التي ألقت الضوء على تغلغل هذه الفكرة وغيرها في مسرحه.
ومن الكوميديا الجديدة امتدت خيوط التأثير على كتاب الكوميديا الرومان، وبالأخص بلاوتوس وتيرينس اللذين «اقتبسا» (بالمعنى الشائع اليوم في حياتنا المصرية والعربية!) أعمال ميناندر إلى حد النقل الحرفي الذي سماه النقاد بعد ذلك «إعادة إبداع» أو محاكاة خلاقة.
وعندما بدأت الفلسفة تتحول منذ النصف الثاني من القرن الثالث قبل الميلاد - كما يقول برتراند راسل في كتابه تاريخ الفلسفة الغربية - إلى عربة إسعاف، وأدركت أن واجبها ومهمتها الملحة (في زمن الكساد والبؤس والأوبئة والصراعات بين خلفاء الإسكندر وضياع استقلال المدن والأفراد ... إلخ) هي هداية النفوس إلى طريق الحياة السعيدة، وشفاؤها من الرذيلة والخطأ والضعف التي كان الناس يعتبرونها من أمراض النفس التي لا يشفيها إلا الفيلسوف! ازدهرت المدارس والأفكار والكتابات الأخلاقية، سواء من جانب الأبيتوريين والرواقيين أو من الأكاديميين (نسبة إلى أكاديمية أفلاطون التي غلبت عليها المذاهب الشكية منذ ذلك الحين) أو المشائين أنفسهم.
وأصبحت «الطباع» هي النموذج والمثل الأعلى من ناحية الشكل والمضمون لكل من يكتب عن الأخلاق السائدة، ويستعين بلوحاتها أو «بورتريهاتها» في تشخيص أمراض العصر. وعلى هذه الصورة فهمت «الطباع» في مدرسة ثيوفراسط نفسه، كما تدل على ذلك بعض كتابات تلميذيه ليكون
20
وأرستون الكيوسي.
21
ومن هذين اتصلت بعض خيوط التأثير المباشرة أو غير المباشرة إلى الفيلسوف الأبيقوري فيلوديم،
22
ناپیژندل شوی مخ