9
حيث يتلقى الطلاب التعليم بلغتهم الأولى لمدة محددة، بينما يكتسبون مهارات لغوية في لغة الأغلبية، وبمرور الوقت (تستمر هذه البرامج بين سنة إلى أربع سنوات، بناء على الدولة) تزيد أهمية الدور الذي تعلبه لغة الأغلبية، وفي النهاية تهيمن بالكامل. توجد فوائد كثيرة لهذه البرامج؛ إذ يبدأ الأطفال دراستهم في المدرسة بلغة يفهمونها وترتبط بثقافتهم في المنزل، ويستطيعون التواصل بسهولة مع المعلمين والأطفال الآخرين، ويمكنهم إحراز تقدم في المواد الدراسية مع اكتسابهم للغة الأغلبية، ويمكن أن تنتقل مهارات القراءة والكتابة التي لديهم للغتهم الجديدة، وهكذا. تتمثل المشكلة الوحيدة، المتعلقة بالثنائية اللغوية، في أن هذه البرامج بطبيعتها انتقالية، ولا يبذل أي مجهود بعد انتهائها من أجل الحفاظ على لغة الأطفال وثقافتهم الأصليتين. قد يحصل بعض الأطفال على مساعدة كافية من منازلهم ومجتمعهم فيما يتعلق بالاحتفاظ بلغتهم الأولى، لكن كثيرا من الأطفال الآخرين يندمجون في التيار الثقافي السائد ويفقدون جذورهم اللغوية والثقافية، فيتحولون من كونهم أحاديي اللغة في لغة الأقلية إلى كونهم أحاديي اللغة في الأساس في لغة الأغلبية، ولا تقتصر ممارسة الثنائية اللغوية لدى كثير منهم إلا على فترة انتقالية قصيرة فقط بين هذين الوضعين. (2) عندما تكون الثنائية اللغوية هدفا للتعليم
قبل ذكر أمثلة على كيف يمكن للمدارس المساعدة في تحول الأطفال إلى ثنائيي اللغة والحفاظ على ذلك، سنذكر بعض الأحداث التاريخية الحديثة.
10
في ستينيات القرن العشرين ظهر ابتكار تعليمي مهم جدا في مدينة سان لامبرت الصغيرة في كيبك في كندا؛ كان لهذا الابتكار تبعات مهمة في جميع أنحاء العالم، وقد أخذت أهميته تزداد عاما بعد عام، فقد كان بعض الآباء الكنديين المتحدثين بالإنجليزية، الذين يعيشون في هذه المدينة التي يغلب عليها الحديث بالفرنسية، معترضين على الأسلوب التقليدي الخاص بتدريس الفرنسية في المدارس، وبمساعدة معلمين وعلماء نفس من جامعة ماكجيل (من أمثال والاس لامبرت وريتشارد تاكر وآخرين)، وضعوا «برنامج انغماس» يتعلم فيه الأطفال المتحدثون بالإنجليزية اللغة الفرنسية على يد معلمين يتحدثون الفرنسية، بداية من مرحلة الحضانة. كان يسمح للأطفال بالحديث بالإنجليزية بعضهم مع بعض في مرحلة الحضانة، لكنهم كانوا يمنعون من فعل هذا في عامهم الأول في المرحلة الابتدائية، ومنذ العام الأول في المرحلة الابتدائية، امتنع المعلمون عن التحدث بالإنجليزية مع الطلاب أو بعضهم مع بعض، حتى يخلقوا، قدر المستطاع، بيئة تتحدث بالفرنسية فقط بالكامل. بدأ الأطفال في تعلم القراءة والكتابة بالفرنسية منذ عامهم الأول في المرحلة الابتدائية، وفي السنة الثانية بدءوا في الحصول على حصص في اللغة الإنجليزية لمدة ساعة تقريبا في اليوم، لكن باقي البرنامج كان بالفرنسية. في السنوات الدراسية التالية، زاد مقدار ما يتعلمونه باللغة الإنجليزية، بحيث إنه عند وصولهم للصف السادس أصبح أكثر من نصف تعليمهم باللغة الإنجليزية؛ بهذه الطريقة، تعلم الأطفال أولا بلغة ثانية، ثم بالتدريج دخلت لغتهم الأولى كلغة ثانية للدراسة.
للوهلة الأولى، قد يظن المرء أن هذا مجرد شكل آخر لبرامج الانغمار اللغوي التي تحدثنا عنها في القسم الأول من هذا الفصل، لكن في الواقع توجد اختلافات كثيرة؛ فقد كان كل الأطفال في الفصل ينتمون إلى الخلفية اللغوية نفسها، وكانت لغة منزلهم تحترم، وقد أدخلت كلغة للتعليم في وقت قريب نسبيا، وكان آباؤهم يدعمون هذا البرنامج، ويتوقع المعلمون من الأطفال تحقيق إنجازات كبيرة. وفي الواقع، ثبت نجاح هذا الأسلوب كثيرا؛ فعند وصول الأطفال إلى الصف السادس لم يكونوا متأخرين على الإطلاق عن مجموعات الضبط في مهارات اللغة الإنجليزية، وفي المواد الدراسية الأخرى (فقد نقلوا مهارات القراءة المكتسبة حديثا من الفرنسية إلى الإنجليزية)، وكان مستوى ذكائهم مساويا لمستوى المنتمين إلى مجموعات الضبط، وكانت معرفتهم بالفرنسية أفضل بكثير من غيرهم من الكنديين المتحدثين بالإنجليزية في مثل أعمارهم. الأهم من ذلك أنهم تعلموا اللغة من خلال استخدامها في سياق بدلا من اكتسابها عبر نظام التعليم الرسمي. وحاليا تغطي الفرنسية عددا قليلا من المجالات في حياتهم، حتى إن ظلت الإنجليزية هي اللغة السائدة لديهم. ظل الأمر الوحيد المتبقي هو استخدام الفرنسية خارج المدرسة، لكن هذا ترك إلى الأسر لتعمل عليه. أدى نجاح مشروع سان لامبرت إلى تطوير مشاريع مشابهة في كندا والولايات المتحدة وكثير من الدول الأخرى، على أساس الصيغة الأصلية أو أحد أشكالها. أما برامج الانغماس المتأخر أو تبديل اللغة، على سبيل المثال، فتبدأ في تدريس اللغة الثانية في مراحل دراسية متأخرة، بينما تستخدم برامج الانغماس الجزئي اللغة الثانية لنصف اليوم فقط، أو في مواد دراسية معينة، إلى آخره.
لم يستخدم أسلوب الانغماس مع الأطفال المنتمين فقط إلى مجموعات اللغة السائدة، مثل الأطفال المتحدثين بالإنجليزية في الجزء الإنجليزي من كندا، وإنما أيضا مع أطفال الأقليات. سأذكر مثالا على هذا يتحدث عن برنامج إحياء لغة النافاجو في فورت ديفيانس في ولاية أريزونا. بناء على العمل الذي قام به عالم اللغة مايكل كراوس، تذكرنا اختصاصية التعليم تيريزا ماكارتي أن اللغات الأصلية في أمريكا معرضة لخطر الضياع؛ فمن بين 175 لغة توجد حاليا في الولايات المتحدة، لا يكتسب الأطفال إلا 20 لغة فقط منها فطريا.
11
إن النافاجو هي أكثر اللغات الهندية المستخدمة، لكنها لم تعد اللغة الأساسية لعدد متزايد من الأطفال المنتمين لقبيلة النافاجو؛ ومن ثم بدأ برنامج انغماس في لغة النافاجو في عام 1986 حتى يستطيع الأطفال اكتساب اللغة مع إحرازهم تقدما في الإنجليزية والمواد الدراسية الأخرى. بدأ الأطفال في مدارس فورت ديفيانس الابتدائية باستخدام لغة النافاجو في البداية، وتعلم مهارات القراءة والكتابة بهذه اللغة قبل انتقالهم إلى الإنجليزية. وفي السنوات الدراسية الأولى كان كل التواصل يحدث باستخدام لغة النافاجو، لكن المعلمين كانوا ثنائيي اللغة ويستطيعون مساعدة الأطفال عند مواجهتهم أية مشكلات. ومع انتقال الأطفال إلى السنوات الدراسية الأعلى، زاد تعرضهم للغة الإنجليزية (على سبيل المثال: كان اليوم الدراسي مقسما بين اللغتين في الصفين الثاني والثالث). المثير للدهشة بشأن هذا البرنامج أن مسئولي الرعاية المنتمين لهذه القبيلة كانوا يقضون فترة المساء في الحديث مع الأطفال بلغة النافاجو، بعد المدرسة، ويمارسون أنشطة مع الطلاب، مثل صنع الكتب. وقد جاء تقييم أجري على طلاب الصف الرابع في صالحهم، من حيث مهارات تعلم اللغتين النافاجو والإنجليزية، بالإضافة إلى أدائهم في المواد الأخرى مثل الرياضيات؛ وإضافة إلى ذلك، استعاد الطلاب فخرهم بانتمائهم لقبيلة النافاجو.
12
ناپیژندل شوی مخ