5
كم من الآباء أجبروا أنفسهم - بناء على نصيحة الآخرين، بمن فيهم المختصون - على تغيير سلوكهم اللغوي، ومن ثم حرموا أطفالهم من أن يصبحوا ثنائيي اللغة! يتحدث راي كاسترو عن تجربته بأسلوب مؤثر للغاية؛ فيحكي أن اللغة الإسبانية كانت هي اللغة المستخدمة في المنزل، مع والديه وعمه وعمته وجده وجدته، وكانت ثقافتهم مكسيكية بوضوح. وقد بذل والداه كل ما في وسعهما حتى يتعلم الإنجليزية، التي كان يحتاج إليها حتى يستطيع الحياة في أمريكا، وكانت المشكلة أن هذا حدث على حساب الإسبانية؛ فيشرح كاسترو أن لغته الإسبانية تضاءلت بالتدريج حتى تلاشت؛ فلم يكن ينتمي إلى الثقافة السائدة ولا إلى ثقافته الأمريكية المكسيكية، نظرا لعدم امتلاكه للغة الإسبانية، فكتب قائلا:
لقد شعرت بالوحدة والغربة، لم يكن هذا خطأ والدي؛ فقد قدما لي اللغة الإنجليزية كهدية تعبر عن حبهما، في حين أنهما لم يحصلا قط عليها ؛ فقد كانا متأكدين من أنني لن أتحمل المعاناة المصاحبة لتصنيفات مثل أجنبي، أو في حالتي هذه ما يطلق من ألفاظ مشينة على ذوي الأصل المكسيكي، وتبدو الآن السنوات التي قضيتها دون اللغة الإسبانية مأساوية. فكيف يمكنني تعويض مثل هذه الخسارة؟ بالكاد كنت أتواصل مع جدي وجدتي! وفي الحقيقة، ماتا قبل أن أتعلم الإسبانية مرة أخرى.
6
لا يمكننا توقع أن لدى الوالدين خبرة في الجوانب المختلفة للثنائية اللغوية بنفس قدر الخبرة التي توجد لدى علماء اللغة، والتربويين، وعلماء النفس، واختصاصيي التخاطب، والعاملين في مجال الطب. ومع هذا من المهم أن يكون بإمكانهما التمييز بين الخرافات التي تحيط بهذا المجال والواقع، وذلك بمساعدة المختصين. وبالإضافة إلى هذا، من المهم أن تتوافر لدى الوالدين، وكل الذين يتولون رعاية أبنائهما الثنائيي اللغة، معرفة بموضوعات مثل كيفية تحول الأطفال إلى الثنائية اللغوية، وكيفية الحفاظ عليها، ومعنى أن يكون المرء ثنائي اللغة، ومبدأ التكامل، والوضع اللغوي، والتبديل اللغوي والاقتباس، وآثار الثنائية اللغوية على الأطفال، وما إلى ذلك. فهذه المعرفة ستساعدهما في فهم تطور أطفالهما الثنائيي اللغة، وتعدهما لظهور الظواهر المختلفة للثنائية اللغوية؛ على سبيل المثال: يجب أن يفهما لماذا يمر بعض الأطفال بفترة يرفضون فيها الحديث بلغة المنزل بين الناس، وأحيانا في المنزل، وهذا يرجع إلى حد كبير إلى عدم رغبتهم في الاختلاف عن الأطفال الآخرين. كتب لي أحد ثنائيي اللغة في اللغتين العربية والإنجليزية عن هذا، فقال:
تظاهرت في فترة المراهقة بعدم معرفتي باللغة العربية، وحاولت جاهدا التخلص من لكنتي الأجنبية. وقد فعلت هذا لأنني أردت بشدة ألا أكون مختلفا على الإطلاق عن باقي أصدقائي. ومع ذلك، مع تقدمي في العمر بدأت أتعلم لغتي وثقافتي الأصليتين ويزيد تقديري لهما.
7
يدرك الأطفال الثنائيو اللغة إلى حد كبير أن معرفة والديهم بلغة الأغلبية قد تكون ضعيفة أحيانا. يتحدث ريتشارد رودريجيز عن انزعاجه من حروف العلة لدى والديه «ذات النبرة العالية»، ونطقهم «الأجش» للحروف الساكنة، وتركيبهم النحوي المضطرب؛ فقد كان ينفعل عندما يسمع حديثهم بالإنجليزية. كما يحكي الكاتب الصحفي والمؤلف أوليفيه تود عن تظاهره عندما يكون مع أمه في شوارع ومتاجر باريس بأنه لا يعرفها، عندما كانت تتحدث بلكنتها البريطانية الواضحة. وأنا نفسي أتذكر ذات يوم قال لي ابني: «أبي، تحدث مثل كل الآباء الآخرين.» وكان يعني بذلك: «بما أنك تتحدث بالإنجليزية أيضا، والإنجليزية هي اللغة المستخدمة هنا، وأنا لا أريد أن أبدو مختلفا عن الآخرين، ليتحدث إذا كل منا مع الآخر بالإنجليزية بدلا من الفرنسية.»
في دراسة مثيرة للاهتمام وطولية استمرت لست سنوات، تتبع ستيفن كالداس وسوزان كارون-كالداس استخدام اللغة لدى أطفالهما الثلاثة المراهقين الثنائيي اللغة في الإنجليزية والفرنسية، في منزلهما في ولاية لويزيانا ومصيفهم في كيبك؛ فأظهرا أن تفضيل اللغة المستخدمة في المنزل في لويزيانا تحول من سيادة للفرنسية إلى طغيان لاستخدام الإنجليزية مع تقدم الأطفال في العمر، بينما كان العكس صحيحا في كيبك، وتحول تفضيل اللغة إلى الفرنسية بالكامل. ويمكن تفسير هذا، على حد قولهما، بتأثير الأقران خارج المنزل؛ إذ كان أقران الأطفال في لويزيانا يتحدثون الإنجليزية، بينما كان أقرانهم في كيبك يتحدثون بالفرنسية. وفي قصة قصيرة معبرة وردت في الدراسة، كان الوالد الذي يتحدث بالفرنسية مع أطفاله في لويزيانا، يحضر مع ابنته ستيفاني البالغة من العمر 12 عاما مباراة لكرة القدم الأمريكية، وكان على وشك إلقاء التحية على إحدى صديقات ستيفاني عندما همست له قائلة: «لا تتحدث معها بالفرنسية.» (فعل الأب هذا على أية حال.) وفي النهاية لم يعد الأطفال يتحدثون بالفرنسية مع والديهم في لويزيانا، وإنما كانوا يفعلون هذا دون أدنى مشكلة في كيبك. بينما يشير باحثا هذه الدراسة إلى وجود «أحادية لغوية موازية» لدى أطفالهما، فإن هذه الحالة الأخيرة توصف في الحقيقة بأنها ثنائية لغوية ذات طبيعة خاصة جدا.
8
ناپیژندل شوی مخ