The Virtue of Knowledge on Pausing and Starting in Recitation and the Ruling on Pausing at Verse Ends
فضل علم الوقف والابتداء وحكم الوقف على رؤوس الآيات
خپرندوی
دار القاسم للنشر والتوزيع
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
د خپرونکي ځای
الرياض
ژانرونه
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب مهيمنًا على الكتب، ولم يجعل له عوجًا، أحمده عدد كل شيء وملء كل شيء، بكل حَمْد حَمِده به أولياؤه المقربون، وعبادة الصالحون حمدًا لا ينقضي أبدًا، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان. أما بعد:
فإن الاهتمام بعلوم الكتاب والسنة، وتعلمها والجد في تحصيلها والإنصاف فيها سبب خير كثير، والأمور بعواقبها منوطة ولن يخيب الله تعالى من صدَّق وصدَق.
وإن علم الوقف والابتداء من أجلِّ علوم الكتاب الحكيم، لأنه يستعان به على فهم القرآن والغوص على درره وكنوزه وتتضح به الوقوف التامة، والكافية والحسان، فتظهر للسامع المتأمل والقارئ المتدبر المعاني على أكمل وجوهها وأصحها، وأقربها لمأثور التفسير، ومعاني لغة العرب، فإن اعتماد علماء الوقف والابتداء في وضع الوقوف وتفصيلها، وبيان وجوهها، مبني على النظر في معاني الآيات، وكلامهم في المعاني، وفي بيان وجوه
1 / 3
الوقف، وتفضيل بعضها على بعض مأخوذ من المنقول والمعقول.
فلا ريب أن علم الوقف والابتداء من العلوم التي تفسر بها وجوه المعاني القرآنية؛ إذ المقصود منه بيان مواضع الوقف بحيث يراعي القارئ المعاني فيقف ويبتدئ على حسب ما يقتضيه المعنى واللفظ، ولا يكون ذلك إلا بتدبر واهتمام بالمعاني فالنظر في الوقف معين على التدبر.
وإذا قرأ القارئ وابتدأ بما لا يحسن الابتداء به، أو وقف عند كلام لا يفهم إلا بأن يوصل بما بعده، فقد خالف أمر الله تعالى بتدبر القرآن .. قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢] وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: ٢٩] فإن في القرآن الهدى والذكرى والعلم والتزكية والرحمة والنور، كما قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾ [الأنعام: ٧٠] وقال: ﴿هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] وقال ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: ٤٥] ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا
1 / 4
رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] وقال: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٥٢].
إلى غير ذلك من الآيات.
فهذا العلم من أجل علوم الكتاب المبارك ومع ما قدمت جلالته واعتناء قراء السلف به فقد كاد أن يصبح اليوم مهجورًا.
ثم إن مسألة الوقف على رؤوس الآي من المسائل التي رأيت أنها تحتاج إلى بحث وترجيح، وبخاصة وقد اشتهر فيها القول الذي هو خلاف الراجح، إذ الراجح فيها التفصيل لا الإطلاق كما سيتبين إن شاء الله تعالى.
فأردت أن أبين الراجح فيها بدليله وتعليله وأنقل ما لمحققي العلماء من الكلام فيها.
فإن النظر في دلائل المسائل العلمية والبحث عن مذاهب الأئمة والعلماء فيها حق على أهل العلم وطالبي التحقيق وإن قنع بمجرد التقليد من قنع.
وأما التسوُّر على العوام والتسرع في الترجيح، وإهمال النظر
1 / 5
في كلام العلماء بمجرد الوقوف على بعض الأدلة من غير جمع ولا تأني، فذلك علامة قلة البصيرة العلمية وضعف الهيبة الإيمانية.
وإذا ما بحثت المسائل العلمية على وفق القواعد المعتبرة وتبين للباحث القول الراجح فلا شك أن ذكره لوجه رجحانه ولو ببسط الأدلة أمر مفيد.
وبهذا البحث يتبين جواب سؤال مهم وهو: هل الوقف على رؤوس الآي سُنة وإن اشتد تعلق الآية بما بعدها؟
وبه يظهر مرتبة الحديث الوارد في هذه المسألة، ويعرف قول المحققين من علماء الوقف والابتداء في الوقف على رؤوس الآية.
وسأقدم قبل ذلك مقدمة مهمة تتعلق بفضل علم الوقف والابتداء وبأهميته، وبعد ذلك يكون الكلام إن شاء الله مفصلًا على الحديث الوارد في مسألة الوقف على رؤوس الآي بتخريجه وبيان ألفاظه والكلام على طرقه ورجاله، وأقوال العلماء فيه، ثم في مسألة الوقف على رؤوس الآي وأقوال علماء الوقف فيها وبيان الراجح من ذلك .. وبالله التوفيق.
1 / 6
معنى الوقف والسكت والقطع
الوقف، والسكت، والقطع، عبارات يختلف مقصود القراء بها والصحيح عند المتأخرين التفريق بينهما فالقطع: ترك القراءة رأسًا فإذا قلنا قطع القراءة فمعنى ذلك انتقاله إلى حالة أخرى غير القراءة كترك القراءة بالكلية أو الركوع أو الكلام بغير القرآن، وهذا يستعاذ بعده للقراءة.
والوقف: (قطع الصوت زمنًا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة)
وهو المقصود بهذا البحث وهو المراد في فن الوقف والابتداء فلا يقصدون بقولهم الوقف هنا: تام أو كاف أو حسن أو قبيح، القطع للقراءة بالكلية ولا يقصدون بذلك السكت الذي هو: عبارة عن وقف بلا تنفس، وزمن السكت دون زمن الوقف عادة فهو (قطع الصوت زمنًا يسيرًا ومقداره حركتان من غير تنفس، بنية العود إلى القراءة في الحال (١) وفي الشاطبية:
_________
(١) النشر (١/ ٢٣٨ - ٢٤٣) والمنح الفكرية شرح المقدمة الجزرية للملا القاري الحنفي (٢٧٥).
1 / 7
وسكتهم المختار دون تنفُّسٍ ... وبعضهم في الأربع الزهر بسملا (١)
قال الإمام أبو شامة المقدسي: (الإشارة بقولهم "دون تنفس" إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة (٢) وقد يكون السكت في وسط الكلمة كالسكت على "شيء" في قراءة حمزة ويكون في آخر الكلمة نحو السكت على: ﴿عِوَجَا * قَيِّمًا﴾ [الكهف: ١، ٢] ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: ١٤] و﴿مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢] في قراءة حفص قال الشاطبي.
_________
(١) الشاطبية باب البسملة وإبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة (٦٦).
(٢) إبراز المعاني (٦٧) ومن فسر قوله: دون تنفس: بأنه من غير قطع: كصاحب التيسير أعني الداني وصاحب سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي، وهو علي ابن القاصح شرح الشاطبية (٢٩) أقول مقصودهم بذلك: من غير قطع للنفس، كما أوضحه أبو شامة إبراز المعاني (٥٦٦) وهذا التوجيه أولى من قول القاضي الشيخ عبد الفتاح القاضي ﵀ في شرحه على الشاطبية (معناه دون قطع طويل ولا بد من تقييده بهذا، وإلا فالسكت فيه قطع الصوت حتمًا وإن كان قليلًا) أ. هـ الوافي في شرح الشاطبية (٣١١).
1 / 8
وسكتة حفص دون قطع لطيفة ... على ألف التنوين في عوجًا بلا وفي
نون من راقٍ ومرقدنا ولا ... م بل ران والباقون لا سكت موصلا
ومن أئمة القراء من يصفها بوقفة خفيفة أو يسيرة (١) ومنهم من ينعتها: بـ وُقيفة كما صنع أبو العلاء الهمذاني (٢).
والكلام على توجيه ما انفرد به حفص هنا من السكت ليس هذا موضعه.
ومن المعلوم أن السكت مقيد بالرواية والسماع (٣).
_________
(١) التذكر ة في القراءات لأبي الحسن طاهر بن غلبون ت: (٣٩٩هـ) (٢/ ٥٠٧) والنشر: (١/ ٢٤١).
(٢) غاية الاختصار في قراءة العشرة أئمة الأمصار (٥٥٢).
(٣) ينظر: النشر (١/ ٢٣٨ - ٢٤٣) وإتحاف فضلاء البشر للدمياطي (٦١ - ٦٣).
1 / 9
أهمية علم الوقف والابتداء
إن القارئ للقرآن الكريم لا بد أن يقف لانقطاع نفسه، وحيث وقف مختارًا فعليه أن يختار الوقف الذي لا يخل بالمعنى .. ووقفه إما وقف اضطرار أو وقف اختيار.
فوقف الاضطرار لا عتب على القارئ فيه، لكن عليه أن يستأنف ويحسن الابتداء ويتخير حُسن الوقف، فبذلك تظهر المعاني ويتبين إعجاز القرآن، قال ابن الجزري.
(لما لم يمكن القارئ أن يقرأ السورة أو القصة في نفس واحد، ولم يجز التنفس بين كلمتين حالة الوصل، بل ذلك كالتنفس في أثناء الكلمة وجب حينئذ اختيار وقف للتنفس والاستراحة وتعين ارتضاء ابتداء بعد التنفس والاستراحة) (١) أ. هـ.
ولقد دلت الأدلة على أهمية مراعاة الوقف والابتداء؛ وثبت واشتهر اعتناء السلف بذلك. قال تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: ٤] فهذا أمر من الله تعالى بترتيل القرآن، وندب منه سبحانه للعباد إلى ترتيل كلامه المنزل؛
_________
(١) النشر (١/ ٢٢٥).
1 / 10
ومراعاة الوقوف داخله في ذلك إن شاء الله تعالى، قال ابن عباس ﵄ في قوله: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾.
(بينه تبيينًا) (١) وقال الحسن: اقرأه قراءة بيِّنة. وقال مجاهد: بعضه على إثر بعض على تؤدة وقال أيضًا: (ترسَّل فيه ترسُّلا) (٢). قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (اقرأه قراءة على تمهل، فإنه يكون عونًا على فهم القرآن، وتدبره) أ. هـ (٣).
وقال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن: ١ - ٤].
_________
(١) رواه أحمد بن منيع في مسنده كما في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر النسخة المسندة (٤/ ٣٧٧٧) ومختصر إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري (٨/ ٦٥٩٠) ورواه الطبري جامع البيان (١٢/ ١/١٢٧) وابن النحاس القطع (١/ ٧٤) وينظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (٦/ ٢٧٧).
(٢) مصنف عبد الرزاق (٢/ ٤٩٠) ومصنف ابن أبي شيبة (١٠/ ٥٢٥) جامع البيان (١٢/ ١/١٢٧) والتمهيد في معرفة التجويد لأبي العلاء الهمذاني: (١٤١) والدر المنثور: (٦/ ٢٧٧).
(٣) تفسير ابن كثير (٤/ ٣٦٣) وقيل: إن عليًا ﵁ سئل عن هذه الآية فقال: الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف" النشر (٢٩٨) () ١، ٣١٦ ولم أجده في التفاسير التي تعتني بالمأثور وقد رواه الهذلي في الكامل ورقة (٣٤) (مخطوط) ينظر الوقف والابتداء للغزال (١/ ٦) رسالة دكتوراة تحقيق الدكتور العثمان إشراف الشيخ محمد محمد سالم محيسن.
1 / 11
قال ابن النحاس: (من التبيين تفصيل الحروف والوقف على ما تم معناه منها) أ. هـ (١) وقد حكى ابن النحاس وأبو عمرو الداني وغيرهما، إجماع العلماء على أهمية مراعاة الوقف والابتداء (٢)، واستدلوا على ذلك بقول عبد الله بن عمر ﵄: (لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد ﷺ، فنتعلم حلالها، وحرامها، وما ينبغي أن يوقف (٣) عنده منها، كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن، ولقد رأيت اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، وينثره نثر الدقل (٤».
_________
(١) القطع لابن النحاس (١/ ٧٤).
(٢) القطع (١/ ٨٧) والكتفي (١٣٥) والنشر (١/ ٢٢٥).
(٣) في رواية الطبراني والبيهقي (يقف) مجمع الزوائد (١/ ١٧٠) والسنن الكبرى (٣/ ١٢٠).
(٤) بفتح الدال المهملة بعدها قاف مفتوحة وهو رديء التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص وقيل: هو أردأ التمر (غريب الحديث لإبراهيم الحربي (٢/ ٨٨٩) والنهاية لابن الأثير (٢/ ١٧٢).
1 / 12
رواه الطبراني في الأوسط (١)، وابن النحاس (٢)، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة، ووافقه الذهبي (٣)، والبيهقي (٤)،
وسنده جيد.
_________
(١) مجمع البحرين في زوائد المعجمين للهيثمي (١/ ٢٠٩) ومجمع الزوائد (١/ ١٧٠).
(٢) القطع لابن النحاس (١/ ٨٧).
(٣) المستدرك على الصحيحين (١/ ٣٥) وفي طبعة عبد السلام علوش برقم (١٠٨) (١/ ١٩٦).
(٤) السنن الكبرى للبيهقي (٣/ ١٢٠) وينظر: الإتقان للسيوطي (١/ ١١٠) قال الهيثمي بعد أن عزاه للطبراني في الأوسط: (رجاله رجال الصحيح) أ. هـ: مجمع الزوائد (١/ ١٧٠) قلت: وهو من طرق عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة الرقي عن القاسم بن عوف الشيباني البكري، ورجاله كلهم ثقات روى علهم الشيخان إلا القاسم بن عوف فقد روى له مسلم وابن ماجة وتكلم فيه فتركه شعبة. وقال أبو حاتم (مضطرب الحديث ومحله عندي الصدق) وقال ابن عدي هو ممن يكتب حديث. وذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب (صدوق يغرب) "الجرح والتعديل (١/ ٦٥٩) والثقات لابن حبان (٥/ ٣٠٥) وتهذيب الكمال (٢٣/ ٤٠٠) وتهذيب التهذيب (٨/ ٣٢٦ - ٣٢٨) وسنده يدور على عبيد الله بن عمرو وهو صحيح عنه فقد رواه الطبراني وابن النحاس من طريق عبد الله بن جعفر بن غيلان الرقي القرشي عنه وهو ثقة حافظ تغير بأخرة ولم يفحش اختلاطه وقد اختلط من سنة ٢١٨هـ إلى وفاته سنة ٢٢٠هـ ووثقه يحيى بن معين وأبو حاتم: "التاريخ الكبير للبخاري (٥/ ١٥٠) والجرح والتعديل (٥/ ١٠٤) وثقات ابن حبان (٥/ ٣٥١) وتهذيب الكمال (١٤/ ٣٧٧، ٣٧٨) وتهذيب التهذيب (٥/ ١٧٣) والميزان (٢/ ٢٢٤٩) وفي الكاشف (ثقة حافظ) (٢٦٩١) وفي التقريب: (ثقة لكنه تغير بأخرة فلم يفحش اختلاطه) أ. هـ.
ورواه الحاكم من طريق هلال بن العلاء الرقي والده عن عبد الله بن عمرو، وهي طريق ضعيفة لضعف العلاء بن هلال الباهلي الرقي والد هلال بن العلاء، قال أبو حاتم منكر الحديث وضعف غيره (تهذيب التهذيب (٨/ ١٩٣، ١٩٤).
وتابعهما عبيد بن هشام الحلبي عند البيهقي، ولا بأس به. قال: أبو حاتم وصالح جزرة في عبيد بن هشام الحلبي: (صدوق) وضعفه النسائي (تهذيب الهذيب (٧/ ٧٦، ٧٧) ثلاثتهم: (بعد الله بن جعفر بن غيلان الرقي والعلاء بن هلال الباهلي وعبيد بن هشام الحنبلي رووه عن عبيد الله بن عمرو به فالأثر حسن لما في القاسم بن عوف من الكلام الذي تقدم وقد تفرد به، كما أن لبعض ألفاظه شواهد عن بعض الصحابة ﵃.
1 / 13
والشاهد منه قوله: (وما ينبغي أن يوقف عنده منها) وبه استدلَّ ابن النحاس (١)، والداني (٢) وغيرهم من علماء القراءات والوقف (٣)، وعبارة الداني (ففي قول ابن عمر دليل على أن
_________
(١) القطع (٨٧).
(٢) المكتفي (١٣٤).
(٣) ينظر النشر (١/ ٢٢٥) والبرهان للزركشي (١/ ٤٤٩).
1 / 14
تعليم ذلك توقيف من رسول الله ﷺ وأنه إجماع من الصحابة ﵃ (١) أ. هـ فهذا دليل قد ذكره كثير من العلماء مستدلين به على الوقف والابتداء، وقد عارض ذلك الشيخ ملا القاري في شرحه على الجزرية بعد أن ذكره بقوله: (ولا يخفى أن قوله: (وما ينبغي أن يوقف عنده منها) لا يبعد أن يراد به الآيات المتشابهات في معناها، فليس في الحديث نص على الوقف المصطلح عليه) أ. هـ (٢)، أقول كلا المعنيين محتمل من جهة اللفظ، وقوى الاحتمال الأول كلام أولئك الأئمة في الاستدلال به على مراعاة الوقوف.
وروى الإمام أبو عمرو الداني عن ميمون بن مهران (٣) التابعي قال: (إني لأقشعر من قراءة أقوام يرى أحدهم حتمًا عليه ألا يقصر عن العشر، إنما كانت القراء تقرأ القصص إن طالت أو قصرت يقرأ أحدهم اليوم ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
_________
(١) المكتفى (١٣٤).
(٢) شرح المقدمة الجزرية (المنح الفكرية على متن الجزرية) ٢٧٠.
(٣) ميمون بن مهران الجزري أبو أيوب الرقي من ثقات التابعين، ومن علمائهم سمع من ابن عباس وابن عمر (ت: ١١٨هـ) ترجمته في حلية الأولياء لأبي نعيم (٤/ ٨٢ - ٩٧) وتهذيب الكمال (٢٩/ ٢١٠ - ٢٢٧) وغيرها.
1 / 15
قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١١] ويقوم في الركعة الثانية فيقرأ: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ﴾ [البقرة: ١٢]) (١) أ. هـ، ثم قال أبو عمرو رحمه الله تعالى: (هذا يبين أن الصحابة ﵃ كانوا يتجنبون في قراءتهم القطع على الكلام الذي يتصل بعضه ببعض، ويتعلق آخره بأوله لأن ميمون بن مهران إنما حكى ذلك عنهم إذ هو من كبار التابعين وقد لقي جماعة منهم) أ. هـ (٢).
واشتهر اعتناء السلف رحمهم الله تعالى، بهذا العلم حتى عد ابن الجزري ذلك متواتر عنهم (٣)، وكانوا يعتنون بذلك حال الإقراء، قال ابن الجزري: (صح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح، كأبي جعفر يزيد بن القعقاع إمام أهل المدينة الذي هو من أعيان التابعين، وصاحبه الإمام نافع بن أبي نعيم، وأبي عمرو بن العلاء، ويعقوب الحضرمي وعاصم بن أبي النجود وغيرهم من الأئمة وكلامهم في ذلك معروف، ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب، ومن ثم اشترط كثير من أئمة الخلف على الْمُجيز
_________
(١) المكتفي (١٣٥).
(٢) المكتفي (١٣٦).
(٣) النشر (١/ ٢٢٥).
1 / 16
ألا يُجيز أحدا إلا بعد معرفته الوقف والابتداء. وكان أئمتنا يوقفوننا عند كل حرف، ويشيرون إلينا فيه بالأصابع، سُنة أخذوها كذلك عن شيوخهم الأولين) أ. هـ (١).
وقد حض العلماء على تعلم الوقف والابتداء والعمل به، وبينوا عظيم فضيلته، وذلك مذكور في مقدمات كثير من كتب الوقف والابتداء، وفي كثير من كتب فن التجويد ومضمن في كتب علوم القرآن، فمما قالوه قول ابن الأنباري رحمه الله تعالى: (من تمام معرفة القرآن ومعانيه، وغريبه معرفة الوقف والابتداء فيه، فينبغي للقارئ أن يعرف الوقف التام، والوقف الكافي الذي ليس بتام، والوقف القبيح الذي ليس بتام ولا كاف) أ. هـ (٢).
وقول ابن النحاس: (قد صار في معرفة الوقف والاستئناف التفريق بين المعاني، فينبغي لمن قرأ القرآن أن يتفهم ما يقرأه ويشغل قلبه به ويتفقد القطع والاستئناف ويحرص على أن يُفهِم المستمعين في الصلاة وغيرها، وأن يكون وقفه عند كلام مستغن أو شبيه وأن يكون ابتداؤه حسنًا) أ. هـ (٣).
_________
(١) النشر (١/ ٢٢٥).
(٢) الإيضاح في الوقف والابتداء (١/ ١٠٨).
(٣) القطع والاستئناف (٩٧).
1 / 17
وقول الإمام الداني: (معرفة ما يتم الوقف عليه وما يحسن وما يقبح من أجل أدوات القراء المحققين والأئمة المتصدرين وذلك مما تلزم معرفته الطالبين وسائر التالين إذ هو قطب التجويد وبه يوصل إلى نهاية التحقيق) أ. هـ (١).
ولأنه يتوصل بهذا العلم لفهم القرآن جعل الأئمة تعلمه أمرًا لا بد منه لمن أراد معرفة معاني القرآن واستنباط الأدلة منه (٢)، وجعلوا ذلك مما يعين على الغوص على فرائد القرآن ودرره (٣).
وقال علم الدين السخاوي ﵀: (ففي معرفة الوقف والابتداء الذي دونه العلماء تبيين معاني القرآن العظيم وتعريف مقاصده وإظهار فوائده، وبه يتهيأ الغوص على درره وفرائده) (٤).أ. هـ.
فهذا العلم ينفتح بتعلمه وإعمال الفكر فيه من مقاصد القرآن ومعانيه شيء عظيم، فالقارئ إذا لم يراع الوقف بحسب
_________
(١) شرح القصيدة الخاقانية للداني (٢/ ٩٦) رسالة ماجستير تحـ غازي بنيدر العمري إشراف د. محمد ولد سيسدي حبيب (١٤١٩) بجامعة أم القرى.
(٢) ينظر الاقتداء في الوقف لابن النكزاوي (١/ ١٩٨) والإتقان (١/ ١١٠).
(٣) جمال القراء (٥٥٣).
(٤) المصدر السابق.
1 / 18
المعنى فلن يفهم المعنى، وربما فوت على السامع فهم المعنى وقد لا يظهر بذلك وجه الإعجاز (١).
ولذا فإن معرفته متأكدة وفي ذلك يقول الصفاقسي: (ومعرفة الوقف والابتداء متأكدة غاية التأكيد إذ لا يتبين معنى الكلام ويتم على أكمل وجه إلا بذلك. أ. هـ (٢).
ويقول المقرئ أبو الأصبغ بن الطحان الأندلسي: (أليس من الخطأ العظيم أن يقرأ كتاب الله تعالى فيقطع على القطع يفسد به المعنى .. إلخ) أ. هـ (٣)، ولأهمية علم الوقف والابتداء ذكر الأئمة أن إتقانه ومعرفته يحتاج إلى معرفة علوم أخرى. قال الإمام أبو بكر بن مجاهد رحمه الله تعالى: (لا يقوم بالتمام إلا نحوي عالم بالقراءة عالم بالتفسير، عالم بالقصص وتلخيص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن).أ. هـ (٤).
_________
(١) تنبيه الغافلين (١٢٠) وينظر: البرهان (١/ ٤٩٣) والإيضاح لابن الأنباري (١/ ١٠٨).
(٢) تنبيه الغافلين الموضع السابق.
(٣) نظام الأداء (٢٠).
(٤) القطع والاستئناف (٩٤).
1 / 19
وقد تكلم علماء الوقف والابتداء على جميع الآيات والجمل القرآنية، وبينوا ما يصلح الوقف عليه، وما لا يصلح، ونهوا عن الوقف على وقوف بعينها، ووضعوا لذلك قواعد، كقولهم لا يوقف على المبتدأ دون خبره، ولا على الشرط دون جزائه إلى غير ذلك مما ذكروه ومثلوا له واختلفوا في بعضه.
وذكروا الوقف التام، وما دونه، وبينوا الوقوف، وحرروا الكلام على المعاني مستمدين من النقول في التفسير والحديث والأثر ومعتمدين على العربية، فكما بنى المفسرون كلامهم على ذلك بنى علماء الوقف والابتداء وأفادوا من التفاسير وأضافوا فوائد كثيرة.
وربما نقل عنهم كبار المفسرين، كما يوجد من نقل القرطبي وغيره من كتاب الإمام ابن الأنباري الإيضاح في الوقف والابتداء، وهو من أجلِّ من صنَّف في هذا الفن وكتابه مطبوع.
وقد اعتنى به أئمة القراء تصنيفًا وإقراء. وهو من أوائل العلوم الإسلامية التي صنف فيها المتقدمون من السلف.
ومن تصانيف المتقدمين في هذا العلم المبارك: كتاب شيبة بن نصاح مولى أم سلمة ﵂ أتي به إليها وهو
1 / 20
صغير فمسحت رأسه ودعت له. وثقه النسائي وغيره (ت: ١٣٠هـ) (١) جعله ابن الجزري أول من صنف في هذا وقال: (كتابه مشهور) (٢).
ومقطوع القرآن وموصوله: لعبد الله بن عامر اليحصبي (ت: ١١٨هـ) ذكر كتابه ابن النديم، ولم أجده عند غيره وابن عامر أقدم من شيبة وفاة وشيوخًا وقد تعاصرا، كما يظهر من وفاتهما وترجمتهما، ولذا ذكرهما الحافظ الذهبي
_________
(١) شيبة بن نصاح مولى أم سلمة ﵂ أتى به إليها وهو صغير فمسحت رأسه ودعت له بالخير والصلاح قال النسائي (ثقة) ووثقه غيره مدني مقرئ ترجمته في كثير من الكتب منها: تاريخ البخاري الكبير (٤) ترجمة (٢٦٦٢) والجرح والتعديل (٤) ترجمة (١٤٧١) وتهذيب الكمال (١٢/ ٦٠٨) وبقية مصادر الترجمة في هامشه للمحقق. ويزاد عليه: غاية الاختصار في قراءات العشرة أئمة الأمصار لأبي العلاء الهمذاني (١/ ١٦) ومعرفة القراء الكبار (١/ ٧٩) ونصاح: (بكسر أوله والتخفيف وكان أبو سعد الإدريسي يقوله بفتح ثم يشد) أ. هـ (الإكمال ٧/ ٢٧٣ وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه للحافظ ابن حجر (٤/ ١٤١٥).
(٢) غاية النهاية (١/ ٣٢٩) ومقدمة محقق المكتفي (٦٠) والبرهان ت؛ الدكتور المرعشلي (١/ ٤٩٤) ومعجم مصنفات القرآن الكريم للدكتور على شواخ المشعبي (١/ ٢٦٨) ومقدمة محقق علل الوقوف للسجاوندي (١/ ٢٤) وفيه ابن ناصح خطأ والوقف والابتداء للغزال مقدمة المحقق (١/ ٨).
1 / 21
في معرفة القراء في طبقة واحدة (١)، فلا يمتنع أن يكون كتاب شيبة أقدم، وإن كان عبد الله بن عامر أكبر سنًا على أن كتاب شيبة بن نصاح أشهر.
كما ألف فيه من القراء السبعة: أبو عمرو بن العلاء (ت: ١٥٤هـ) إمام النحو والعربية وأحد القراءة السبعة وكتابه من الكتب التي ورد بها الخطيب البغدادي إلى بغداد وحصل على إجازة بروايته (٢)، وحمزة بن حبيب الزيات المقرئ الزاهد أحد القراء السبعة (ت ١٥٦) (٣) ونافع بن أبي نعيم إمام أهل المدينة أحد القراء السبعة (ت: ١٦٩هـ) (٤) وعلي بن حمزة الكسائي (ت: ١٨٩) إمام العربية وأحد القراء السبعة (٥)، وغيرهم من أئمة القراء المشهورين في مختلف العصور
_________
(١) ينظر معرفة القراء (١) ترجمة (٣٤) و(٣٦) طبعة استانبول تحـ دطيارر قولا (١٤١٦) هـ.
(٢) تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين (١/ ٢٢) نقلًا عن مشيخة الخطيب البغدادي مخطوط بالظاهرية مجموع ١٨ (١٢٨ ب).
(٣) الفهرست لابن النديم (٥٤) (طبعة دار الكتب العلمية ومعجم مصنفات القرآن الكريم (١/ ٢٦٨).
(٤) ذكر كتابه ابن النحاس القطع والاستئناف (٧٥) وابن النديم (٥٤).
(٥) اسم كتابه مقطوع القرآن وموصوله: ذكر كتابه: ابن النديم: الفهرست (٩٨) وياقوت: معجم الأدباء (٧/ ٢٠٣) والذهبي: معرفة القراء (١/ ١٢٧) (٤٥).
1 / 22