The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
ژانرونه
تراجع الجناح الأيسر للجيش الإسلامي ونزول قطز إلى ميدان المعركة
ظهر تفوق الميمنة التترية كما أخبر بذلك من قبل رسول صارم الدين أيبك، وبدأت هذه الميمنة تضغط على الجناح الأيسر للقوات الإسلامية، وظهر تأثر القوات الإسلامية بذلك، وأخذت ميسرة المسلمين تتراجع تدريجيًا تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية، وازداد تساقط الشهداء، وظهرت الأزمة الكبرى، ولو أكمل التتار اختراقهم للميسرة فسيلتفون بذلك حول الجيش الإسلامي، وسوف تتعادل بذلك الكفتان، بل وقد ترجح كفة التتار، وهنا يصبح إغلاق السهل خطرًا على المسلمين، كما كان خطرًا على التتار.
فما الذي سيعمله قطز ﵀؟ كان قطز ﵀ يقف في مكان عال خلف الصفوف يراقب الموقف بكامله، ويوجه الفرق إلى سد الثغرات، ويخطط لكل صغيرة وكبيرة.
حين شاهد قطز ﵀ المعاناة التي تعيشها ميسرة المسلمين، فدفع إليها بقوات احتياطية الواحدة تلو الأخرى، ولكن الضغط التتري استمر، وبدأ بعض المسلمين يشعر بصعوبة الموقف، وبدأت معنويات البعض تنهار وشكوا في النصر، ولا ننسى السمعة المرعبة لجيش التتار الذي قيل عنه: إنه لا يُهزم.
كان قطز ﵀ يشاهد كل ذلك، ويدفع بقوات إضافية إلى الميسرة، ولكن الموقف تأزم جدًا، وهنا لم يجد قطز ﵀ إلا حلًا واحدًا لا بديل له، فقرر أن ينزل بنفسه ﵀ إلى ساحة القتال، ويُثبت لجنوده بالطريقة التي اعتادها معهم أن الجهاد في سبيل الله ﷿ أُمنية، وأن الموت في سبيل الله مطلب لكل مسلم صادق، ويعلمهم بالطريقة التي اعتاد أن يعلمهم بها، وهي طريقة التربية بالقدوة، فنزل ﵀ إلى أرض الموقعة، ولم ينزل بهيئته العسكرية الكاملة، وإنما خلع خوذته وألقاها على الأرض؛ تعبيرًا عن اشتياقه للشهادة وعدم خوفه من الموت، وأطلق الصيحة الشهيرة التي قلبت الموازين تمامًا في أرض المعركة، فصرخ قطز ﵀ بأعلى صوته والجميع يسمع: وا إسلاماه! وا إسلاماه! وألقى السلطان المظفر القائد العظيم ﵀ بنفسه وسط الأمواج المتلاطمة من البشر، وفوجئ الجنود الإسلاميون بوجود القائد الملك المظفر قطز ﵀ في وسطهم، يعاني مما يعانون ويشعر بما يشعرون ويقاتل كما يقاتلون.
فأي تأييد نزل عليهم، وأي تثبيت، وأي سكينة، وأي اطمئنان.
وأصبحت القضية واضحة جدًا أمام الجميع، القضية قضية الإسلام، القضية قضية وا إسلاماه، القضية ليست أبدًا حفاظًا على ملك أو حماية لكرسي أو حرصًا على توريث لابن أو عائلة، فالقتال لله ﷿، ويمكن أن تكون نهاية قطز ﵀، ويمكن أن يموت وهو في زهرة شبابه، فهو يقاتل في سبيل الله حقيقة، هكذا شعر الجنود، وشتان بين القائد الصادق الذي يعيش لدينه ولشعبه، والقائد الكاذب الذي يتكلم كثيرًا عن فضائل الأعمال، وهو لا يعيش إلا لنفسه، فالتهب حماس الجنود، وهانت عليهم تمامًا جيوش التتار، وحملوا أرواحهم على أكفهم، وانطلقوا في جسارة نادرة يصدون الهجمة التترية البشعة، فهي ليست هجمة على ذواتهم، بل هي هجمة على الإسلام، واشتعل القتال في سهل عين جالوت، واستحر القتل، وعلت أصوات تكبير الفلاحين على كل شيء، ولجأ المسلمون بصدق إلى ربهم في هذا اليوم المجيد من أيام شهر رمضان.
وقاتل قطز ﵀ قتالًا عجيبًا.
ثم صوب أحد التتر سهمه نحو قطز ﵀، فأخطأه السهم، وأصاب الفرس الذي كان يركب عليه قطز فقُتل الفرس من ساعته، فترجل قطز ﵀ على الأرض، وقاتل ماشيًا لا خيل له وما تردد، وما نكص على عقبيه، وما حرص على حياته ﵀، ورآه أحد الأمراء وهو يقاتل ماشيًا، فجاء إليه مسرعًا، وتنازل له عن فرسه، إلا أن قطز ﵀ امتنع، وقال: ما كنت لأحرم المسلمين نفعك، وظل يقاتل ماشيًا إلى أن أتوه بفرس من الخيول الاحتياطية.
وبعد هذه الموقعة لامه أحد الأمراء على هذا الموقف، وقال له: لم لمْ تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك، وهلك الإسلام بسببك.
فانتفض قطز ﵀ وقال في يقين رائع: أما أنا لو قتلت فكنت أذهب إلى الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه، وقد قُتل فلان وفلان وفلان، حتى عد خلقًا من الملوك، مثل: عمر وعثمان وعلي ﵃ أجمعين، فأقام الله للإسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضع الإسلام، فرحمه الله فقد كان وما زال قدوة للمسلمين، وعلى أكتاف أمثاله تنهض الأمم.
نتيجة مثل هذا الموقف أدت القوات الإسلامية أداءً راقيًا جدًا في القتال، وأخرجت كل إمكانيتها، ولم تكن قضيتها قضية موت أو حياة كالتتار، بل كانت إما نصر أو شهادة.
وبدأت الكفة بفضل الله تميل من جديد لصالح المسلمين، وارتد الضغط على جيش التتار، وأطبق المسلمون الدائرة تدريجيًّا على التتار، وكان يومًا على
10 / 12