The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
ژانرونه
نظرة قطز ﵀ في مواجهة التتار خارج مصر
كانت نظرة قطز ﵀ أوسع من نظرة الأمراء، وبدأ ﵀ يناقش الأمراء، ويشرح لهم مزايا خطته، وأبعاد نظرته، وأهداف الحرب في رأيه، ومهمة الجيش في اعتقاده، وأفهمهم ﵀ حقائق غابت ولمدة سنوات طويلة جدًا عن أذهان الكثيرين منهم، ومن هذه الحقائق مثلًا: أولًا: أمن مصر القومي يبدأ من حدودها الشرقية وليس من داخل البلد نفسه، وإلا فكيف يأمن المصريون على أنفسهم وإلى جوارهم في فلسطين دولة قوية معادية: التتار أو غيرهم؟! فالعقل يؤكد أنه من المتوقع جدًا أن تنتهز هذه الدولة المعادية أي فرصة ضعف، وتجتاح مصر من شرقها، وستأخذ سيناء في أيام معدودات، ثم تهدد مصر في عمقها، فلا بد إذن من إضعاف الجيش المعادي الرابض في فلسطين، إما بقتاله هناك، أو على الأقل بمساعدة من يقاتلونه هناك.
هذا هو التفكير العقلي والمنطقي حتى دون الدخول في حديث الشرع والدين الآن.
ثانيًا: من الأفضل عسكريًا أن ينقل قطز المعركة إلى ميدان خصمه؛ لأن ذلك سوف يؤثر سلبًا على نفوس أعدائه، كما أنه سيجعل له خط رجعة إذا حدثت هزيمة للجيش المسلم، فلو غلب في فلسطين فعنده فرصة للرجوع إلى مصر، ولو غلب في مصر فسيفتح الطريق إلى القاهرة لا محالة، وستسقط البلاد بكاملها.
ثالثًا: من الأفضل عسكريًا كذلك أن يمتلك المسلمون عنصر المفاجأة، ويختارون هم ميعاد ومكان المعركة بدلًا من أن يختار العدو ذلك، وعنصر المفاجأة هذا ليس للقيمة العسكرية فقط، بل له قيمة معنوية عالية جدًا، فالهزيمة النفسية ستكون كبيرة جدًا في صف الفريق الذي يفاجأ بالقتال، ولم يعد له العدة الكافية.
رابعًا: أن على المسلمين في مصر دورًا هامًا جدًا ناحية إخوانهم المسلمين في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق وأفغانستان وأذربيجان والشيشان، وفي كل المناطق التي ابتليت بالتتار، فلا يستقيم أبدًا أن تُقام المذابح للمسلمين في هذه البلاد وتُنتهك الحرمات وتُهدم الديار ولا يتحرك المسلمون في مصر، فحركة المسلمين في مصر لنجدة إخوانهم في فلسطين وغيرها ليست فضلًا أو نافلة أبدًا، وإنما هي فرض عليهم، وليست فرض كفاية إنما فرض عين؛ لأن العدو قد دهم فعلًا أرض فلسطين فتعيّن القتال على أهلها لدفعه، فإن لم يكفِ أهلها للقتال تعيّن القتال على من جاورهم من الأقطار الإسلامية، يعني: مصر والأقطار الأخرى لها، سوريا والأردن ولبنان وغيره، فإن لم يكفِ أهل مصر والأقطار الأخرى تعيّن على الأقطار الأبعد، وهكذا وهكذا حتى لو احتاج القتال لكل مسلم على وجه الأرض.
فالقضية في منتهى الخطورة، فانتهاك حرمات المسلمين في بلد ما، وسكوت المسلمين في البلاد الأخرى عن هذا الانتهاك جريمة كبرى، ومخالفة شرعية هائلة، ولذلك قرر قطز ﵀ الخروج لنجدة أهل فلسطين وسوريا وغيرها حتى لو لم يفكر التتار أصلًا في غزو مصر، وهذا هو التفكير الشرعي السليم الذي كان عند قطز ﵀، والذي أيده بعد ذلك علماء مصر عندما قال هذا الرأي.
خامسًا: أن على المسلمين دورًا ناحية التتار أنفسهم، فهم إن رفضوا الإسلام أو الجزية وجب على المسلمين قتالهم، ثم إن التتار ليسوا في بلادهم، وإنما هم الآن في بلاد المسلمين، فوجود التتار بهذه المعتقدات الفاسدة والحروب الهمجية يمثل فتنة كبيرة جدًا في الأرض، ولا بد للمسلمين أن يقمعوا هذه الفتنة، ودور المسلمين في الأرض أكبر بكثير جدًا من مجرد تأمين حدود القطر الذي يعيشون فيه، فإن عليهم نشر هذا الدين في ربوع الدنيا كلها، وعليهم أن يعلموا الناس الإسلام، ويأخذوا بأيديهم في كل بقعة من بقاع الأرض إلى الله ﷿.
يقول الله ﷿ في كتابه الكريم: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:١١٠].
فواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتم على قطز ﵀ وعلى جيش مصر وشعبها أن يقاتلوا التتار وغيرهم ممن أفسد في الأرض.
وهكذا اقتنع الحضور في هذا المجلس العسكري الكبير بحجة قطز ﵀، وبأهمية القتال في أرض فلسطين وليس في أرض مصر، وبدءوا بالفعل في تجهيز الجيش وإعداده لعبور سيناء ولقاء التتار في فلسطين.
9 / 17